الجمعة، 6 مايو 2011

تغير فلسفة العقاب:

لقد بات من المسلم به أن الفلسفة السائدة في كل عصر من العصور عن الجريمة هي الأساس الذي تقوم عليه العقوبة، من حيث نوعها، ومقدارها، وأهدافها، وفلسفتها بشكل عام، ومن يراجع مسيرة تطور العقوبة في مختلف العصور فسيجد أنها كانت محكومة بثقافة المجتمع وما تحويه هذه الثقافة من فهم صحيح لخصائص الفرد وعوامل الجريمة، هذا، على الرغم من وجود عدد من النظريات المفسرة لأسباب التغير في العقوبة، أو رد فعل المجتمع تجاه الجريمة، ومن تلك النظريات:
أولا- نظرية الضحية أو كبش الفداء (Scapegoat):
وقد انبثقت هذه النظرية عن مدرسة التحليل النفسي، وهي تفسر العقوبة برغبة المجتمع في التعبير عن غريزة العدوان كدافع فطري لدى كل فرد، وهي غريزة عبر عنها المجرم نفسه باقترافه للجريمة. أما قسوة العقوبة فتفسرها هذه النظرية تبعا لشدة التجريم الجنسي، فالمجتمعات التي تجرم الممارسات الجنسية بكثرة وشدة تكون العقوبات فيها قاسية وعلنية، أما المجتمعات التي يكون التجريم الجنسي فيها في عدد قليل من الأفعال فتكون العقوبة فيها معتدلة وخفيفة.
ثانيا- نظريات البناء الاجتماعي:
1-          النظرية السوسيو اقتصادية: وترى هذه النظرية أن سوق العمل (Labor market) هو الذي يحدد رد الفعل الاجتماعي إزاء الجريمة، فتكون العقوبة قاسية عندما تتوفر اليد العاملة، ويتدنى الأجر الذي يتقاضاه العامل، وتتجه العقوبة إلى الاعتدال عندما تشح اليد العاملة إلى حد أنه يمكن أن يحكم على الجناة بالعمل بدلا من العقوبات البدنية القاسية.
2-          نظرية البناء الطبقي: وترى هذه النظرية أن مشاركة الطبقة الوسطى وما دونها في عملية الضبط الاجتماعي (Formal Social control) يجعل العقوبة قاسية بسبب إخفاق هذه الطبقة في ضبط النفس.
3-          نظرية تقسيم العمل- وقد بنيت هذه النظرية على النظرية العامة في التضامن الاجتماعي (Social solidarity) فالمجتمع ينتقل من مرحلة التضامن الآلي (Mechanical solidarity) إلى مرحلة التضامن العضوي (organic solidarity) القائم على تقسيم العمل، فعندما يكون تضامن المجتمع قائما على الآلية والتماثل فإن رد الفعل فيه يكون متخلفا ويتمثل في الانتقام من الجاني، أما المجتمع المتطور ذو التضامن العضوي فإنه يغلب جانب التساند أو التبادل الاجتماعي (social interconnection) فيكون رد الفعل فيه إزاء الجاني منصبا على المحاولة في استعادة التوازن واستعادة الجاني إلى وسط المجتمع عضوا مستقيما من خلال تطبيق قواعد النظام (القانون) في عمومية وحيادية وموضوعية.
4-          نظرية التنظيم الاجتماعي: وتقوم هذه النظرية على أن العقوبة تكون معتدلة في المجتمعات التي تتسم بالتجانس، في حين تكون قاسية في المجتمعات غير المتجانسة بسبب قيام جزء من الجماعة قوي بتطبيق العقوبة القاسية على الجزء الآخر الضعيف.
ولما كان من المؤكد أن هذه النظريات على تعددها لم تنشأ من غير بواعث، ولم تتبلور في فراغ، بل هي مرتبطة بثقافة المجتمع، وهذا يعني أنها مكون من مكوناته الثقافية، فإن هذا الأمر يجعلني أغلب جانب النظرية الثقافية، فالبناء الثقافي (Cultural structure) وأساليب التفكير والمعتقدات هي التي تُقَيِّم السلوك وهي التي تحدد مضمون رد فعل المجتمع تجاه أي سلوك، ومن هنا فإن التغير في تفسير العقوبة من حيث المضمون والهدف ارتبط داخل المجتمعات بالتغيرات الثقافية ومن ضمن تلك التغيرات شكل السلطة وطبيعتها ومدى التزامها بشروط العقد الاجتماعي، والتقدم العلمي وبخاصة في مجال تفسير السلوك الإجرامي، وتنامي عوامل الجريمة واتجاهها للتعقيد.
ثالثا- نظرية المتغيرات الثقافية:
إن البناء الثقافي (Cultural structure) وأساليب التفكير والمعتقدات والتطور العلمي في المجردات والماديات هي التي تُقَيِّم السلوك وهي التي تحدد مضمون رد فعل المجتمع تجاه أي سلوك، ومن هنا فإن التغير في تفسير العقوبة من حيث المضمون والهدف ارتبط داخل المجتمعات بالتغيرات الثقافية ومن ضمن تلك التغيرات شكل السلطة وطبيعتها ومدى التزامها بشروط العقد الاجتماعي، والتقدم العلمي وبخاصة في مجال تفسير السلوك الإجرامي، وتنامي عوامل الجريمة واتجاهها للتعقيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق