الجمعة، 6 مايو 2011

تفسير الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية:

تفسير الجريمة في الشريعة الإسلامية:
منذ أن نزلت الشريعة الإسلامية في مطلع القرن السابع الميلادي تغيرت الأوضاع وتطورت التشريعات الوضعية مرات كثيرة، وتكاد العلاقة اليوم تكون منقطعة تماما بين التشريعات الوضعية القائمة وبين مثيلاتها قبل عشرات السنين وذلك بسبب تطور الأفكار والآراء التي تقف وراء هذه التشريعات، وتغير أحوال ومعاملات أفراد المجتمعات، وظهور أنماط جديدة من الأفعال، وقد تطلب هذا التطور والتغير تشريعات جديدة مواكبة لهما نظريا وعمليا. أما على صعيد الشريعة الإسلامية فقد ظلت هذه الشريعة صامدة في وجه موجات التغير، ويزداد علماء الإسلام اقتناعا بأن هذه الشريعة لا تزال كفيلة بتنظيم أحوال المسلمين ومعاملاتهم وسد حاجتهم الأمنية وجلب أكبر قدر ممكن من الطمأنينة إلى نفوسهم.
لقد عالجت الشريعة الإسلامية الجريمة انطلاقا من مصادر التشريع الإسلامي الأساسية (القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع) ومن هنا كان الطرح الإسلامي للجريمة طرحا مسندا، كما أن سلوك الفرد مسند أيضا بالعقل الذي وهبه الله له، وموجه شرعا بالرجوع إلى مصادر التشريع الإسلامي، ولهذا الطرح والإسناد عدد من النواتج من أهمها:
1-          أن إتباع تعاليم الدين الإسلامي يحول بين الفرد وبين الوقوع في الجريمة.
2-          أن الشريعة الإسلامية عالجت منابع الجريمة بصورة شمولية ولم تعالجها بالاستناد إلى عامل واحد من عوامل الجريمة، وهذا الأسلوب الشمولي يحمل مضامين جميع العوامل والموانع الوقائية، ويظهر ذلك بصورة جلية في إرجاعها للجريمة إلى إغواء الشيطان للإنسان وضعف الارتباط بتعاليم الدين الإسلامي.
3-          سبقت الشريعة الإسلامية كثيرا من النظريات الوضعية في تفسير السلوك الإجرامي وإصلاح الجناة بهذا الأسلوب الشمولي.
4-          أصبحت غاية التشريع الجنائي الإسلامي هي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
5-          بينت الشريعة الإسلامية أن للجريمة ثلاثة أركان هي:
أ‌-             الركن الشرعي ويمثله النص الشرعي بالأمر أو النهي.
ب‌-          الركن المادي ويمثله العمل المكون للجريمة من فعل أو امتناع أو قول.
ج‌-          الركن الأدبي أو المعنوي ويمثله توفر عنصر المسؤلية الجنائية كأن يكون الفاعل مكلفا.
وتنقسم الجرائم في الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام، هي:
أولا- جرائم الحدود وهي: الزنا، والقذف، وشرب المسكر، والسرقة، والحرابة، والردة، والبغي. وعقوبات هذه الجرائم مقدرة من الله حقا خالصا له تعالى، لا زيادة فيها ولا نقصان منها، ولا تقبل الإسقاط بأي وجه من الوجوه متى ما ثبتت أية جريمة من هذه الجرائم.
ثانيا- جرائم القصاص والدية وهي: القتل العمد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ، والجناية على ما دون النفس عمدا، والجناية على ما دون النفس خطأ. وعقوبات هذه الجرائم مقدرة حقا للأفراد، ومعنى أنها مقدرة هو أنها ذات حد واحد فلا زيادة فيها ولا نقصان منها، وهي قابلة للإسقاط إذا عفا المجني عليه أو ولي الدم.
ثالثا- جرائم التعزير، وهي جرائم غير محددة بعدد، وقد ورد في الشريعة الإسلامية ذكر أمثلة لها، كالرشوة، والربا، والسب، وتركت الشريعة الإسلامية  لولي الأمر النص على بقية الجرائم حسب ما يتحقق به الدفاع عن مصلحة الجماعة ولا يخالف الشريعة الإسلامية، وليس لهذا النوع من الجرائم عقوبات محددة، فالقاضي يمكنه أن يختار العقوبة المناسبة لنوع الجريمة وظروف الجاني، فقد تبدأ العقوبات التعزيرية بأهونها كعقوبة التوبيخ، وتنتهي بأشــدها كعقوبة القتل تعزيرا.
لقد أحاطت الشريعة الإسلامية جميع أوجه حياة الإنسان حتى منذ ما قبل وجوده على هذه الأرض، قال تعالى: "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ"{35}.(1)
ولا شك أن الله تعالى سن شريعته الغراء لمصلحة بني البشر، فلم ينه عن فعل إلا كان في إتيانه مضرة على الإنسان، قال تعالى: "فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ"{22}.(2) 
وقد أكدت الشريعة الإسلامية على أن سبب حدوث السلوك الإجرامي هو الشيطان الرجيم، يدخل جسم الإنسان ويأمره بفعل الجرائم، قال تعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"{268}.(3)
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "(إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم).(4)
والشريعة الإسلامية لم تكتف بالتجريم، بل سنت كثيرا من العقوبات على عصيان تعاليم الشارع، ويتضح في القرآن أن أول عقوبة تعرض لها آدم، عليه السلام، هي طرده من الجنة، قال تعالى: "قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ"{24}.(5)
ويتضح في القرآن الكريم، أيضا، أن أول فعل للإنسان خالف فيه أوامر ربه ونواهيه كان في أثناء وجوده في الجنة قبل أن يتأثر بالعوامل البيئية والثقافية على الأرض، وهذا يشير، بوضوح، إلى الضعف المركب الذي أوجده الله تعالى في النفس الإنسانية بالفطرة، وهنا يلحظ أن القرآن الكريم قد سبق النظريات الحديثة التي تحدثت عن الفطرة كأساس للسلوك الإنساني، كما أن في الآيات السابقة دلالة على دور التقليد في حدوث السلوك الإجرامي، وهي نظرية جاءت متأخرة على يد العالم (تارد) في العصر الحديث، ويتضح ذلك أيضا في قوله تعالى: "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ{20} وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ"{21}.(6)
أدى كل ذلك إلى بلورة مفهوم للسلوك الإجرامي وأسبابه عند المسلمين، منذ النصف الأول من القرن السابع الميلادي، وما يزال، فالجريمة تحدث بسبب إغواء الشيطان وفتنه لآدم وبنيه، مستغلا ما يوجد في الإنسان من عوامل موجهة لسلوكه، وما أودعه الله في بيئته من عوامل الإغراء، قال تعالى: "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"{7}.(7)
لقد جاءت الشريعة الإسلامية غنية بمفاهيم عن الجريمة وأسباب السلوك الإجرامي في القرآن والسنة، فظهرت تعريفات كثيرة للجريمة في الفقه الإسلامي، فمن الآيات ما ذكر فيه لفظ الجريمة من خلال اسم الفاعل، كقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ"{29}.(8)
ومنها ما ذكر فيه نمط السلوك الإجرامي، كالقتل والسرقة والزنا والفسوق والعصيان، إلى غير ذلك من الأفعال التي فهم المسلمون أنـها جرائم من خلال طبيعتـها، أو من خلال تعنيف الله تعالى لمرتكبيها، أومن خلال ما فرضه من عقاب إزاءها، كقوله تعالى:
"مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ"{32}.(9)
وقوله تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ"{2}.(10)
وقوله تعالى: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"{4}.(11).    
وربط الرسول صلى الله عليه وسلم سبب السلوك الإجرامي بفقد الإيمان بالله تعلى، حين قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).(12)
كل ذلك جعل من الجلي الواضح عند المسلمين، منذ العصور الوسطى حتى اليوم، أن السلوك الإجرامي ناتج عن إغواء الشيطان للإنسان، وأن الجريمة هي كل عمل أو قول خالف شريعة الله تعالى ورسوله الكريم فعلا أو امتناعا أو قولا.
ومن هذا المنطلق عرف فقهاء الشريعة الإسلامية الجريمة تعاريف كثيرة من أهمها تعريف الماوردي لها بقوله: "الجرائم محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير"(13).
ورغم هذه الإحاطة وهذا الشمول الذي اتصف بهما الطرح الإسلامي في هذا المجال فإن هذه الشريعة تركت مجالا واسعا للمتغيرات وما يجد من أحداث، فهناك أفعال لم تجرم لا في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة بل جرمها أولو الأمر وعاقبوا عليها، وأجازت الشريعة لولي الأمر إباحة هذه الأفعال إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة.
تفسير العقوبة في الشريعة الإسلامية:
عندما جرمت الشريعة الإسلامية عددا من الأفعال، فإنها لم تكتف بالتجريم، وإنما شرعت العقوبة المناسبة لكل فعل أيضا، وهو ما يسمى في الفقه الحديث بقانونية أو شرعية العقوبة.
وجاء تعريف العقوبة في القرآن الكريم، بمعنى الجزاء، وجاءت بمعنى النكال أو التنكيل، قال تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"{38}.(14) وتأتي العقوبة أيضا بمعنى العذاب، قال تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ"{2}.(15)
ومن هذا المنطلق عرف الطحاوي العقوبة في الفقه الإسلامي بأنها: "الألم الذي يلحق الإنسان مستحقا على الجناية"(16). وعرفت أيضا بأنها: " الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع".
وعرفت كذلك بأنها: "أذىً ينزل بالجاني زجرا له".
ومن الطبيعي أن تستند العقوبة في الشريعة الإسلامية على مفهوم أو تفسير هذه الشريعة للجريمة، وعلى ذلك فقد قسمت العقوبة في الشريعة الإسلامية من حيث وجوب الحكم بها إلى قسمين هما:
1-          عقوبات مقدرة عين الله تعالى نوعها، وحدد مقدارها، وأوجب على القاضي أن يوقعها دون زيادة أو نقصان أو استبدال، وليس لولي الأمر إسقاطها ولا العفو عنها.
2-          عقوبات غير مقدرة وهي عقوبات ترك للقاضي اختيار نوعها وتحديد مقدارها بحسب ما يراه من ظروف الجريمة وحال المجرم.
وتنقسم العقوبات كذلك بحسب الجرائم التي فرضت عليها إلى أربعة أقسام هي:
1-          عقوبات الحدود.
2-          عقوبات القصاص والدية.
3-          عقوبات الكفارة وهي عقوبات مقررة لبعض جرائم القصاص والدية والتعزير، ومن قبيل ذلك عتق رقبة مؤمنة في القتل الخطأ.
4-          عقوبات التعازير.
أما أهداف العقوبة في الشريعة الإسلامية فليس منها إذلال الجاني، ولا الانتقام منه نفسيا أو بدنيا على النحو الذي كان سائدا لدى المجتمعات الأخرى في العصور القديمة والوسطى، وإنما الهدف الحقيقي للعقوبة في الإسلام يتمثل في تحقيق حياة آمنة وسليمة للفرد والمجتمع، من خلال حمايتها للنفس، والعقل، والدين، والعرض، والمال، قال تعالى: "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"{45}.(17)
وقال تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"{179}.(18)
هذا بالإضافة إلى الهدف الديني من العقاب وهو إرضاء الله تعالى بإقامة شرعه، قال تعالى: "وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"{45}.(19).
ويمكن تحديد أهداف العقوبة في الشريعة الإسلامية بأنها:
1-          تحكيم شرع الله تعالى.
2-          ردع المذنب وزجر غيره.
3-          تحقيق الرحمة بعلاج الجاني وكف الناس عن المنكرات.
4-          تكفير الذنوب.
5-          حفظ المصالح.
6-          دفع المفاسد.
7-          إقامة العدل.
8-          إصلاح الجاني.
وإذا كانت معظم الشرائع الوضعية قد استبدلت العقوبات المالية وعقوبة السجن بالعقوبات البدنية سوى عقوبة الإعدام في بعض التشريعات، فإن الشريعة الإسلامية هي الشريعة التي لا تزال تطبق أنواعا خاصة من العقوبات البدنية في هذا العصر، كقطع الإطراف، والجلد، والرجم، والعقوبة الأكثر تطبيقا من بين هذه العقوبات هي عقوبة الجلد التعزيرية، ومن هنا فإن العقوبة في الشريعة الإسلامية لا زالت تنقسم بحسب محلها إلى الأقسام الآتية:
1-          عقوبات بدنية: وهي العقوبات التي توقع على بدن الجاني مباشرة، كالجلد، والرجم، وقطع الأطراف.
2-          عقوبات نفسية: وهي العقوبات الموجهة إلى الجانب النفسي كالتهديد، والتوبيخ.
3-          عقوبات مالية: وهي العقوبات التي تصيب الجاني في ماله، كالدية والغرامة والمصادرة.
هذا بالإضافة إلى عقوبة السجن كعقوبة مصاحبة في الغالب لأي من هذه العقوبات(20)، وأيا كانت العقوبة فإنها في الشريعة الإسلامية تعد رحمة للأمة وحفظا لكيانها وعلاجا للجاني(21).


(1)  سورة البقرة، الآية رقم (35).
(2)  سورة الأعراف الآية رقم (22).
(3)  سورة البقرة الآية رقم (268).
(4)  لمزيد من الاطلاع، أنظر: (صحيح مسلم.  بيروت: دار الكتب العلمية، 1992م، ج14، ص 129).
(5)  سورة الأعراف الآية رقم (24).
(6)  سورة الأعراف الآية رقم (20-21).
(7)  سورة الكهف الآية رقم (7).
(8)  سورة المطففين الآية رقم (29).
(9)  سورة المائدة الآية رقم (32).
(10)  سورة النور الآية رقم (2).
(11). سورة النور الآية رقم (4).
(12) لمزيد من الاطلاع، أنظر: ( صحيح مسلم. بيروت: دار الكتب العلمية، 1992م، ج2، ص38).
(13) أفاض الماوردي في تصنيف الجرائم وعقوباتها، وأحوال المتهمين وما ينبغي على الحاكم فعله تجاه المتهم والمحكوم عليه، ولمزيد من الاطلاع على رؤية الماوردي في هذه الجوانب، أنظر: (الماوردي، علي بن محمد. الأحكام السلطانية والولايات الدينية. بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م، ص ص 273-293).
(14) سورة المائدة الآية رقم (38).
(15) سورة النور الآية رقم (2).
(16) لمزيد من الإطلاع أنظر: (الطحاوي، أحمد. حاشية الدر المختار، بيروت: دار المعرفة، 1395م.
(17) سورة المائدة الآية رقم (45).
(18) سورة البقرة الآية رقم (179).
(19) سورة المائدة الآية رقم (45).
(20)  لم تتضح الرؤية لكثير من الباحثين العرب حول ما إذا كانت عقوبة السجن عقوبة بدنية أم لا، وقد رأى بعضهم أنها عقوبة بدنية وهذا ما ذهب إليه (الحديثي، 1988م)  غير أن الباحث يرى  أنها عقوبة بدنية ونفسية ومالية في آن واحد؛ فهي عقوبة بدنية لكونها تطال بدن المحكوم عليه كأن تصيبه بالسمنة والترهل أو النحافة والهزال والأمراض بسبب كونها تفرض قيودا على تحركه وانتقاله. وهي عقوبة نفسية لكونها تصيب المحكوم عليه بالكدر والحصر والهموم والخجل. وهي عقوبة مالية لكونها تحرم المحكوم عليه من متابعة أمواله وتنميتها وإدارتها، الأمر الذي يتسبب له في خسارة مالية كبيرة، على أن عواقبها النفسية والبدنية (Physical-Somatic effects) على المسجون أعمق ألما وأكثر أثرا في سلوكه سلبا أو إيجابا.
(21)  يؤكد ابن تيمية على أن إقامة الحدود من العبادات كالجهاد في سبيل الله، وأنها رحمة من الله بعباده، وأنه ينبغي لمن يعاقب أن يقصد رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات، وأن يكون بمنزلة الوالد إذا أدب ولده. ولمزيد من الاطلاع على نظرة ابن تيمية للجريمة والعقوبة، أنظر: (ابن تيمية، تقي الدين. السياسة الشرعية. الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، 2004م، ص ص 95-169).

هناك تعليقان (2):