الجمعة، 6 مايو 2011

سوسيولوجيا القضاء

تمهيد:
تشترك عدد من الأجهزة في مسمى الأجهزة القضائية، وإن اختلفت في مهامها وطبيعة إجراءاتها، ومنها المحاكم وأجهزة الضبط القضائي، وتنفذ هذه الأجهزة سلسلة من الإجراءات وفق النظام أو الدستور تبدأ من أول لحظة تقع فيها الجريمة أو الاشتباه بوقوعها، ومن هذا المنطلق فإن جميع الأجهزة الأمنية التي تتعقب المتهمين وتقبض عليهم وتقدمهم للعدالة، بالإضافة إلى المحاكم بمختلف أنواعها تعد أجهزة العدالة الجنائية برمتها.
ويظهر في دراسات القضاء من حيث هو تنظيم اجتماعي أنه تم المزج بين الجانب السوسيولوجي والجانب التنظيمي أو القانوني، فمن الناحية السوسيولوجية جاءت دراسة المحاكم على وجه الخصوص نتيجة لاهتمام علماء الاجتماع بسوسيولوجيا المهن القانونية، وبخاصة بعد أن تنوعت المجالات والقضايا المتعلقة بأصحاب هذه المهن والأجـهزة التي يعملون بها.
أما الناحية السوسيولوجية، وحتى من الناحية التنظيمية أو القانونية فقد جاء الاهتمام بدراسة المحاكم لتوضيح الدور الوظيفي لها ولأجهزة العدالة الجنائية الأخرى، وبعد أن تعرض النظام القانوني والقضائي في المجتمعات الحديثة لانتقادات كثيرة اتهمتهما بالفشل في التصدي للظواهر المرضية الانحرافية مما أدى إلى ارتفاع معدلات الجريمة، واتهمتهما كذلك بعدم التخطيط والتنبؤ باتجاهات الجريمة على المستوى المحلي والدولي.
ويمكن تعميم كثير من الدراسات في الجانب القضائي، لأن معظم دول العالم تتشابه إلى حد كبير في كيفية تكوين نظام العدالة الجنائية وتكوين الأجهزة القضائية وتشكيلها، وبخاصة تكوين المحاكم، كما تتشابه في الطريقة التي تؤدي بها السلطة القضائية وظيفتها من خلال نوعين من التنظيم:
النوع الأول- نظام القضاء الموحد: وفيه تنتظم جميع المحاكم في جهاز قضائي واحد مع اختلاف هذه المحاكم في الدرجة وفي نوعية التخصص أو نوعية القضايا التي تختص كل محكمة بالنظر فيها.
النوع الثاني- نظام القضاء المتعدد: وفيه توجد أكثر من هيئة قضائية في الدولة الواحدة بحيث تختص كل هيئة قضائية بنوع معين من القضايا، كما أن الجهات المشرفة على هذه الهيئات القضائية مختلفة، ومن هذه الهيئات القضائية: المحكمة المدنية، والمحكمة الجنائية، والمحكمة التجارية.
وأيا كان التنظيم القضائي فإن جميع الدراسات الاجتماعية والقانونية تسعى إلى معرفة مدى النجاح الذي تحققه هذه التنظيمات والأجهزة القضائية في المحافظة على النظام والاستقرار، وتسعى كذلك إلى معرفة المعوقات التي تحول دون تحقيق رسالتها بالشكل الذي يضمن استمرار الحياة الاجتماعية السليمة كما أرادها العقد الاجتماعي.
نشأة القضاء وتطوره:
من المعتقد أن العشيرة أو القبيلة كانت أول شكل من أشكال السلطة المركزية في الجنس البشري، اجتمع أفرادها بالصدفة أو المشاركة في دفع خطر ما، ومع مرور الزمن ظهر زعيم القبيلة الذي جمع كل السلطات بيده، حيث كانت كلمته هي القانون الداخلي وكانت القوة هي القانون الخارجي أو الأسلوب الوحيد للتفاهم مع الغير، إذ كانت القوة تنشئ الحق وتحميه وتستعيده.
وبسبب الاحتكام إلى منطق القوة فقد كان الانتقام والثأر يسود جميع ردود الأفعال، ومن هنا كانت بعض القبائل تسلم الجاني إلى قبيلة المجني عليه لدرء شرها إذا ما فشلت محاولات الصلح والتعويض، وربما أن تذوق أو تفهم معنى ومردود العدالة والحق نشأ من هذه النقطة، ثم ألفت القبائل الاحتكام إلى طرف ثالث لفض النزاعات وفي الغالب أن الحَكَم كان من شيوخ القبائل والعشائر، وقد كانت الدعوى أو المرافعة أمام الحَكَم (القاضي) تتم من خلال المبارزة ومن يحكم له بالنصر يعد صاحب الحق، ثم تطور الأمر فأصبحت هذه المرافعة تتم من خلال قيام الخصم بإشهار سلاحه ومواجهة الخصم الآخر بعبارات وإشارات فإذا لم يؤدها الخصم أمام القضاء بشكل صحيح خسر الدعوى، ويمكن النظر إلى طبيعة المحاكمات حتى خلال العصور القديمة والوسطى على أنها لم تكن تبتعد كثيرا عن فلسفة التقاضي هذه في كثير من المجتمعات رغم مرور زمن طويل على نشوء هذه الفلسفة.
وفي مراحل من العصور الوسطى كان الجاني يحاكم أمام محكمة الملك وكان الملك يتولى القضاء بنفسه، ثم ظهرت محاكم تابعة للنبلاء وشيئا فشيئا حتى أوكل الملك بعض شؤون القضاء إلى من ينوب عنه مع احتفاظه برئاسة الهيئة القضائية، وقد كانت الأحكام في الغالب تتضمن الجلد وبتر الأطراف والقتل، وكانت هذه العقوبات تصدر بقصد التنكيل بالجاني والانتقام منه، ولم يكن هناك تفريق بين القضاء المدني والقضاء الجنائي، وتتحدث الدراسات عن أنه كان يوجد خلال الفترة من 449-1106م نوعان من المحاكم هما:
المحاكم الخاصة: وهي خاصة بالفصل في المنازعات بين رجال بلاط الملك، وكذلك محاكمة من يرتكب أعمالا مخلة بأمن الملك، ويندرج ضمن هذا النوع محاكم النبلاء للفصل في المنازعات بين تابعيهم.
المحاكم العامة أو الشعبية: وفي الغالب لم يكن لها مكان محدد تنعقد فيه بل كانت جلساتها تعقد حتى في الطرقات وفوق التلال، والقضاة فيها أفراد من الشعب وتنعقد برئاسة زعيم المقاطعة، وتُصدر هذه المحكمة أحكامها بالاقتراع، ولم تكن هذه الأحكام ملزمة للخصوم لكن الممتنع عن التنفيذ يفقد الحماية ويصبح معرضا للقتل من قبل الخصم الآخر، وينقسم هذا النوع من المحاكم إلى ثلاثة فئات هي محكمة المقاطعة وتنعقد مرتين في العام، ومحكمة العائلة وتنعقد مرة كل شهر، ومحكمة القرية وتنعقد حسب مقتضيات الحوادث، أما إجراءات الإثبات فلم يكن هناك قاعدة لتعيين المكلف بالإثبات ولكن الإثبات كان على نوعين أيضا هما:
القسامة- حيث يحضر الخصم مجموعة من أسرته أو عشيرته، وأغلب الدراسات تحددهم بأحد عشر رجلا، يقسمون معه على صحة دعواه أو دفاعه.
التجربة- ويتم الاعتماد فيها على ما يعتقدون أنه قوة صادرة عن الآلهة لتحديد الجاني أو الكاذب في دعواه وفيها يتم حرق المتهم بالنار أو الماء المغلي فإذا شفي خلال ثلاثة أيام مثلا فهو بريء.     
لقد سادت مثل هذه الأساليب لفترة طويلة في بقاع كثيرة من المعمورة، وحين ظهر النظام الإقطاعي في أوربا سنة 1100م تقريبا، ترتب عليه بعض التعديلات فألغيت المحاكم الشعبية لتحل محلها المحاكم الملكية، ومن هنا اتسع اختصاص محكمة الملك وأعطى لنفسه حق النظر في المنازعات، والأخطر من هذا أن هذه المحكمة تضطلع أيضا بمهام الاستئناف وكان هذا مبررا وعاملا قويا للطغيان والتعسف.
وكان من نتائج هذه التعديلات تمييز الاختصاص الديني عن الاختصاص المدني في القضاء، فتشكلت محاكم كنسية يرأسها رجال الدين لتطبيق القانون الكنسي المستمد من أوامر البابا، وقد شاع الاعتماد فيه على المبارزة بين الخصمين لإثبات الدعوى، وكانت العقوبات في معظمها بدنية ويتم تنفذها بقسوة ووحشية، امتدادا لما كان سائدا في العصور السابقة.
من الواضح أن دخول الكنيسة القروسطية(1) إلى مجال القضاء كان منعطفا خطيرا في حياة المجتمعات الأوربية خاصة، فقد ازدادت الأحكام القضائية قسوة، وطغى عليها مبدأ التكفير على أساس أنه كلما كان العقاب شديدا كان التكفير من الذنب أبلغ وأعمق، وأخذت سيطرة الكنيسة على مجريات الحياة تزداد قوة إلى حد يمكن القول معه أنها أصبحت تسيطر على السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وإثر ذلك عانت المجتمعات التي ساد فيها الفكر الكنسي من عقوبات قاسية وحاطة من كرامة الإنسان، فالقاضي يشرع ويحكم وينفذ، وفوق هذا لم يكن الناس سواسية أمام القانون والمحاكم، بل كان الضعفاء هم المجال الحيوي لإعمال مواد القانون والأحكام القضائية، ولم يكن هناك أي اعتبار لعوامل الإجرام سوى أن المتهم مصاب بلعنة توجب استئصاله، ومن الأمثلة على قسوة الفكر الكنسي هذا أن عدد الأفعال التي يحكم على من اقترفها بالموت في إنجلترا لوحدها وصل إلى ثلاثمائة وخمسين جريمة، واستمر هذا الحال حتى ألغيت المحاكم الكنسية سنة 1857م لتحل محلها المحاكم القائمة على أسس وضعية.
سوسيولوجيا المحاكم:(2)
أولا- المداخل النظرية لدراسة المحاكم:
ظهرت عملية الاهتمام بالأجهزة القضائية كتنظيمات نتيجة لجهود علماء الاجتماع وبخاصة مع التطورات الحديثة التي صاحبت ظهور المجتمع الغربي الصناعي وشيوع الدراسات الموجهة إلى مختلف الفئات الحرفية والمهنية، ثم انتقل الاهتمام إلى المؤسسات الاجتماعية باعتبارها وجدت لأداء وظائف معينة حددها المجتمع مسبقا. وعليه فقد شهد القرن العشرون طفرة كبيرة في الاهتمامات السسيولوجية بالأجهزة القضائية ساهم في نشوئها ما ظهر من فشل لهذه الأجهزة في التصدي للظواهر الإجرامية، وربما ساهم فيها أيضا ما تشهده بعض هذه الأجهزة من فساد وإهمال وتعطيل لمصالح أفراد المجتمع، وقد انطلق المهتمون بدراسة المحاكم من عدة مداخل ومنطلقات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1-          المدخل التقليدي: ويركز هذا المدخل على دراسة المشكلات التي توجد في المحاكم مثل صعوبات اتخاذ القرار، والمشكلات التي تعيق سير العمل، ويتم الحصول على المعلومات والبيانات اللازمة للدراسة من القضاة والمحامين.
2-          المدخل الواقعي القانوني: وقد اهتم هذا المدخل بدراسة الركائز القانونية والقضائية التي تقوم عليها المحاكم وبخاصة في الجوانب المتعلقة بحرية القضاة، وغموض القواعد التي يستخدمونها في تفسيرهم للنظام أو القانون، وكذلك المبادئ التي يتم على أساسها تصنيف المحاكم من حيث الدرجة ومن حيث القضايا التي تُنظر في كل تصنيف.
3-          المدخل التنظيمي: وهو موجه لمعرفة الواقع التنظيمي في المحاكم العادية خاصة، ومن ذلك معرفة عمليات التفاوض والصلح داخل هذه المحاكم.

وانطلاقا من هذه المداخل أجرى بعض الباحثين دراسات أسفرت عن ظهور عدد من النظريات المفسرة للعوامل التي تؤثر على تنظيم وأداء المحاكم، وقد صنف بعض الباحثين هذه النظريات على النحو الآتي:
أ- نظرية الأسر   (The capture Theories) وتنظر هذه النظرية إلى المحاكم على أنها مأسورة في اهتماماتها بالأشخاص الذين تهدف إلى تطبيق النظام عليهم، بمعنى أن المحاكم تطبق القواعد والنظم الموجودة في المجتمع وفي القانون، وربما يحد ذلك من مرونتها وقدرتها على تكييف الواقعة والحكم حسب مقتضيات الحال.
ب- نظرية جماعة المصلحة (Interest Group Theories) وتركز هذه النظرية على الملامح السياسية للعملية النظامية من خلال تحليل عدد من المواقف السياسية مثل الأغلبية، وجماعة المصلحة وتكاليف المحاكمة، وأثر كل ذلك على مستوى تنظيم المحكمة وأداء وظائفها.
ج- نظرية المعيارية (Normative Theories) وينتقد أصحاب هذه النظرية النظريتين السابقتين بعدم استنادهما على معايير محددة في تحليلهما لتنظيم المحاكم وتقييم كفاءتها، ويرون أنه لا بد من تحليل المحاكم على أساس مدى ما تحققه من الأهداف المتوخاة من وراء وجود المحاكم.
ثانيا - طبيعة التنظيم داخل المحاكم:
يقوم القضاء الجنائي بخاصة على نوعين من المحاكم هما:
النوع الأول- المحاكم العادية، وهي التي تنظر جميع الجرائم وفقا للتشريع العقابي على اختلاف مستوياتها من حيث الدرجة ومن حيث عدد أعضاء الهيئة القضائية فيها.
النوع الثاني- المحاكم الخاصة أو الاستثنائية، وهي التي تتولى محاكمة فئات من المتهمين، وتنظر في أنواع خاصة من الجرائم، أو لمواجهة حالة طارئة، ويتعرض هذا النوع من المحاكم لانتقادات شديدة، ولهذه الانتقادات ما يبررها فمجرد تخصيص هذه المحاكم يعني رغبة السلطة في الحصول على حكم تم تفصيله حسب حاجتها مسبقا.  
ولقد كشفت الدراسات التي عنيت بتحليل المحاكم عن كثير من التنظيمات البنائية والتفاعلات الصراعية التي تشكل العلاقات المهنية داخل المحكمة، وتؤثر بصورة عامة على إصدار الأحكام القضائية، وذلك على النحو الآتي:
أ- من حيث تشكيل المحاكم:
وفي هذا الجانب نجد نظام القضاء الفردي، ونظام تعدد القضاة، ونظام القضاء المختلط، ويمكن تفصيل هذه الأنظمة على النحو الآتي:
1-    نظام القضاء الفردي: وفيه يتم نظر القضية من قبل قاض واحد، وتشير الدراسات  إلى أن لهذا النوع من التنظيم القضائي فوائد منها:
·                تعزيز الشعور بالمسؤلية لدى القاضي في أثناء استعراض وقائع القضية وتكييفها (تصنيفها) فيشعر القاضي بضرورة الإنتاج على نحو تظهر فيه شخصيته ومقدرته، وهذا على خلاف ما يحدث عند تعدد القضاة في نظر القضية الواحدة من تقاعس واتكالية.
·                يتيح نظام القضاء الفردي تفهما أعمق للقضية وإدراك أفضل لدقائق الأمور والملابسات ومن ثم اختيار الحكم المناسب.
·                تؤدي كثرة المناقشات بين عدد من القضاة إلى تأخير الفصل في القضية، بينما يخلو نظام القضاء الفردي من هذه السـلبية لكونه يختصر الوقت وكذلك النفقات.
ومع أن هذه المميزات مغرية إلى حد كبير فإنه ينبغي النظر إلى عدد من السلبيات المحتملة لهذا النظام، ومنها أن إدانة المتهم تتم برأي فردي يحتمل معه الخطأ والإجحاف، وبخاصة إذا كان القاضي قليل الخبرة، كما أن القاضي الفرد عرضة للتأثر بضغوط السلطة وأصحاب النفوذ، وضغوط الرأي العام والمحامين.
2-          نظام تعدد القضاة: وهنا نجد أن كل سلبية من سلبيات نظام القضاء الفرد يمكن أن يتم تلافيها في نظام تعدد القضاة، وقد جرت العادة على أن تتشكل المحكمة في نظام تعدد القضاة من ثلاثة قضاة على الأقل، ويظهر هذا النظام في المحاكم الاستئنافية ومحاكم النقض. ويظهر هذا النظام أيضا في محاكم الاستئناف كما في المملكة العربية السعودية، فقد نصت المادة العاشرة من نظام الإجراءات الجزائية على أن تنعقد الدوائر الجزائية في محكمة التمييز من خمسة قضاة لنظر الأحكام الصادرة بالقتل، أو الرجم، أو القطع، أو القصاص فيما دون النفس، ويكون انعقادها من ثلاثة قضاة فيما عدا ذلك.
ويمكن استنتاج مميزات للقضاء المتعدد أو الجماعي، منها أن الحكم الصادر من هذا النظام تسبقه مداولات تجعله أكثر صوابا وهيبة، كما أن القضاة يحتمون من الضغوط الخارجية بسرية المداولات مما يجعلهم أكثر استقلالا ونزاهة لكونه يصعب التأثير على عدد من القضاة في آن واحد.
أما سلبياته فمنها أن هذا النظام يتطلب زيادة عدد القضاة الأمر الذي يؤدي إلى الزيادة في النفقات، كما أنه يضعف ملكة الإبداع والاجتهاد الشخصي لكون الحكم الصادر ينسب إلى مجموعة من القضاة، يضاف إلى ذلك ما يستغرقه من وقت على حساب المتهم الذي قد يكون مسجونا بلا ذنب.
3-          نظام القضاء المختلط: يأتي هذا النظام من منطلق أنه ليس بالضرورة أن تتشكل هيئة المحكمة من قضاة متخصصين في الشريعة أو القانون وحدهم، إذ لا بد من وجود عدد من التخصصات القضائية ومشاركة أفراد المجتمع في القضاء كما هو الحال في فرنسا وألمانيا بعد أن تخلت عن نظام المحلفين.
4-          نظام المحلفين: يعد نظام المحلفين إحدى صور المشاركة من قبل المواطنين في سير العدالة، وتكثر هذه المشاركة في المجتمعات الغربية وبخاصة في الدول التي تأخذ بالنظام الأنجلو أمريكي، وقد تمسك به الشعب الإنجليزي كتقليد عريق وليس نتيجة لنظرية قضائية، أما في الولايات المتحدة فقد شاع هذا النظام حتى غدت المحاكمة وفق نظام المحلفين حقا دستوريا لكل من تجري محاكمته.
والمحلفون هم مجموعة من المواطنين يدعون للجلوس في مجلس القضاء لسماع الدعوى و مساعدة القاضي في أثناء عرض الدعوى ومن ثم إصدار قرارهم في وقائعها من حيث تقديرهم لمدى ثبوت الواقعة ومدى إذناب المتهم، وليست لهم أي سلطة عامة، لذلك فإن القاضي هو الذي يتخذ قرار الحكم بنفسه، ومن هنا عرفت دائرة المعارف البريطانية المحلفين بأنهم مجموعة من الرجال العاديين المحليين يدعون رسميا للإجابة على بعض الأسئلة بعد حلف اليمين، وينقسم المحلفون إلى فئتين هما فئة محلفي الاتهام (Grand Jury) ويعرفون بهيئة المحلفين الكبرى، ومهمتهم التحري عن الجرائم وتوجيه قرار الاتهام، وفئة محلفي المحاكمة (Petty Jury) ويعرفون بهيئة المحلفين الصغرى وينحصر دورهم في تحديد ما إذا كان المتهم مذنبا أم لا (Guilty or not Guilty)  ويتم اختيار المحلفين من قبل الجهة القضائية التي ستستعين بهم، ولا بد من توفر بعض الشروط في المحلف مثل جنسية الدولة، وألا يكون أميا، وألا يزيد سنه على ستين سنة ولا يقل عن إحدى وعشرين سنة، وأن يكون حسن السمعة، وأن تكون صحته مناسبة لأداء هذه المهمة، وألا يعمل زوجين في هيئة واحدة.
ب - من حيث الصراع التنظيمي والمهني في المحاكم:
توجد الصراعات البنائية والوظيفية داخل أي تنظيم اجتماعي مهما كان نوعه، وقد اهتم العلماء بدراسة أنماط الصراع (Conflict) والكشف عن مظاهر الخلل الوظيفي (Dysfunctional Aspects) ومما لا شك فيه أن الفاعلية والكفاءة داخل التنظيمات تتأثر حسب شدة هذا الصراع؛ لأن العوامل داخل النسق، وكذلك العوامل الخارجية مثل الظروف السياسية والاقتصادية تمارس ضغوطا متعددة على التنظيم قد تعيقه عن تحقيق أهدافه، والمحاكم من ضمن هذه التنظيمات، ومن أشكال الصراعات هذه، الصراع بين القضاة، والصراع بين العاملين في المحكمة، والصراع بين القضاة والمحامين ورجال الأمن وهيئة المحلفين (Juries)، وقد أسفرت عدد من الدراسـات في مجال الإدارة ومنها دراسـة بوجوش ودانت  Danet) & (Bogoch و أوبار (Obarr) عن وجود مظاهر للسيطرة إلى جانب الصراعات، ومنها سيطرة المحامين على المتهمين داخل المحكمة والتي قد تطغى على الاهتمام والاستماع إلى رغبات المتهمين ووجهات نظرهم تجاه قضاياهم وأساليب محاكمتهم وطرق اتهامهم من قبل أجهزة الادعاء، وقد كشفت هذه الدراسات أيضا عن أن عملية توجيه الأسئلة تظهر ممارسة القوة (Power) والضبط (Control)  على المتهمين، وعلى الشهود (Witness)  أيضا، وربما أثرت هذه الممارسة على درجة تماسك المتهم والشهود وترتيب أفكارهم وعرض ما لديهم وبالتالي على مجرى العدالة، فعلى سبيل المثال يطلب القضاة أو المحامون الإجابة على الأسئلة بـ (نعم) أو (لا) دون إتاحة الفرصة للتفسير أو التعليق من جانب المتهم أو الشهود، وهذا يثير الخوف والقلق؛ لأنه إذا ما تجاوز المتهم أو الشاهد هذه الإجابة وصف تصرفه بعدم الالتزام.
وفي مجال علم الاجتماع كشفت دراسة لألبرت ريسس (A. Reiss) ودافيد بورديه (D. Bordua) عن وجود أشكال أخرى من الصراع التنظيمي والمهني داخل المحاكم، فهناك صراع مستمر بين القضاة والمحامين وممثلي الادعاء من ناحية، والأجهزة الأمنية من ناحية أخرى، ناتجة عن تفسيرات كل فئة لقواعد التشريع، حيث يسعى القضاة والمحامون إلى التقليل من حجم القوة التي تتمتع بها الأجهزة الأمنية، وتؤثر بها على سير العدالة أحيانا، ومن جانبهم يرى رجال الأمن أن النظام القضائي غير كاف لمنع الجريمة أو الحد منها، لذلك يرون ضرورة منحهم سلطات أوسع للقبض بدعوى الاشتباه بقصد التخويف وممارسة ما يعتقدون أنه يشكل ضغوطا مستمرة على عصابات الإجرام.
إن مظاهر السيطرة والصراع التنظيمي المهني داخل المحاكم تعكس كثيرا من المظاهر البنائية الوظيفية، وقد أطلق عليها روبرت ميرتون (R. Merton)  مظاهر الخلل التنظيمي (Disorganization) الذي يعكس عددا من الوظائف الظاهرة (Manifest functions) والوظائف المستترة أو الكامنة (Latent functions)  يضاف إلى ذلك ما قد يوجد من صراع بين السلطة القضائية وجماعة الضغط السياسية والسلطة التنفيذية وهما تعدان من مكونات البيئة الخارجية عن الأنظمة القضائية والأجهزة المتصلة بها، ومن الدراسات الرائدة في هذا المجال دراسة بلومبرج (Blumberg)  والتي ركز فيها على مشكلة تراكم القضايا ووصفها بأنها مشكلة بيروقراطية كبرى تعاني منها المحاكم في كثير من الدول، ويرى أن هذه المشكلة تنتج صعوبة الفصل في القضايا بصورة حقيقية وموضوعية، الأمر الذي يثير شكوكا كبيرة في ســير العدالة وتحقيق الأداء القضائي بنزاهة.
ويمكن الخروج من تحليل بعض الدراسات التي تناولت الصراع التنظيمي والمهني في المحاكم بعدد من الاستنتاجات على النحو الآتي:
1-          وجود أنماط متعددة من التفاعل والصراع والتعاون والطاعة والامتثال والتسلط داخل المحاكم، وهذا يعني أن للمحكمة تنظيما يمكن أن يوجد فيه من عوامل الفشل والنجاح ما يوجد في أي تنظيم آخر.
2-          لا يمكن الاعتماد على الإحصاءات الرسمية الصادرة عن المحاكم، بل  لابد من استخدام أدوات ومناهج تعتمد على الملاحظة المباشرة والمقابلة مع القضاة والمحامين ومختلف العاملين بالمحكمة لجمع المعلومات الأقرب إلى الواقع.
3-          توجد حاجة ماسة لدراسة تقسيم العمل (Division of labor) داخل المحاكم للتعرف على كيفية الإعداد للمحاكمات وكيفية إجراء المحاكمة وإجراءات ما بعد المحاكمة بما في ذلك التنفيذ. ومن المفيد الكشف عما إذا كان هناك اختلافات في الأحكام تبعا للطبقة الاجتماعية والمهنة والعنصر والوضع الاجتماعي.
4-          من متطلبات العدالة أن يتم التفريق في أثناء المحاكمة بين القضايا الجنائية العنيفة وغيرها من القضايا المدنية والمخالفات، ذلك لأن كثيرا من القضايا يمكن البت فيها بسرعة لكونها لا تحتاج إلى دفاع طويل أو طلب استئناف.
5-          يؤثر كل من العامة ووسائل الإعلام على سرعة إصدار الأحكام وبخاصة في الجرائم التي تهم المجتمع كثيرا.
6-          تتطلب دراسة العمليات التنظيمية والإجراءات داخل المحاكم تحديد القواعد المهنية الوظيفية التي تحكم العاملين، ومقدار الوقت الكافي لدراسة كل قضية والبت فيها، وعملية إعداد القضايا وعرضها وكيفية تفسيرها من الناحية التشريعية والقضائية.
تقويم كفاءة المحاكم:
من المؤكد أن قياس إنتاجية القضاة والهيئات المهنية والقانونية في المحاكم وتقييم النظام القضائي ليس بالسهولة نفسها التي نستطيع بها إجراء هذا القياس والتقويم في المصانع والتنظيمات الأخرى، يضاف إلى ذلك أن الدراسات التي تناولت أنماط الكفاءة (Effectiveness) والفاعلية (Efficiency) للمحاكم كتنظيمات محدودة جدا، ومع ذلك فمن المهم هنا تصنيف دراسة وتحليل كفاءة المحاكم وفاعليتها إلى ثلاثة مستويات هي: تقويم النظام القضائي والنظامي أو القانوني ككل، تقويم المحاكم، تقويم القضاة، ويأتي هذا التقسيم بغرض التوضيح، على الرغم من أنه يصعب الفصل بين هذه المستويات فصلا تاما بسبب ما يوجد بينها من تداخل وملامح مشتركة، وبيان هذه المستويات الثلاثة على النحو الآتي:
المستوى الأول: تقويم النظام القضائي والنظامي أو القانوني ككل: في هذا المستوى نجد كثيرا من الانتقادات في مختلف المجتمعات، وقد ظهرت هذه الانتقادات بقوة في إطار حركة الدفاع الاجتماعي التي تزعمها كل من (جراماتيكا) و(مارك آنسل) فهذه الحركة حاولت الجمع بين أمرين لا يخلوان من تنافر، ألا وهما عملية إصلاح المجرمين، والمحافظة على حق المجتمع في إنزال العقوبة بهم والدفاع عن أمنه بالصورة النظامية أو القانونية الزاجرة والرادعة، وترى حركة الدفاع الاجتماعي أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال التطوير التشريعي (Legislation Development) والعمل على تحقيق مستويات أفضل من التنمية الشاملة (Comprehensive Development) بشرط اعتبار عملية التنمية التشريعية جزءا رئيسا في عملية التنمية الشاملة.
ومن أفضل الدراسات وأكثرها وثوقا في هذا الجانب دراسات ماكس فيبر (Max Weber, 1864-1920) ذلك فإنه عمل لسنوات طويلة في المحاماة والقضاء في ألمانيا. لقد عرض في دراســاته كيـفية انتـقال النـظام أو القانون من المـراحل الكارزمية (Legal Charismatic stage) إلى المرحلة العقلانية (Legal Rational stag)، وتطرق (فيبر) لعمليات التغير التشريعي ضمن نظريته عن التغير والفعل الاجتماعي (Social Action Theory)(3)، واهتم أيضا بعقلنة التشريع (Rationalization Process) وشدد على حقيقة وجود علاقة قوية بين التشريع والنظام السياسي والاقتصادي والديني والأخلاقي.
ويؤكد كثير من الباحثين على أن عملية تحديد وتقويم الكفاءة التشريعية لا تظهر من خلال القوى التي يعتمد عليها التشريع في تنفيذ أحكامه وقواعده بل من خلال زيادة معدلات الوعي الفردي والجماعي والتقبل الاجتماعي لأهداف التشريع كنظام اجتماعي، وهذا التقبل هو الذي يعطي للتشريع شرعيته.
المستوى الثاني- تقويم المحاكم: استندت أشد الانتقادات للمحاكم على نتائج الدراسات التي حللت عمليات الإنجاز القضائي (The Performance Processes) وكذلك الدافعية وتحقيق الأهداف أو الغايات التنظيمية، إلى غير ذلك من المتغيرات التي تمت مضاهاتها بغيرها من المتغيرات وعمليات الإنجاز في التنظيمات الأخرى، وإن تعذر في كثير من الأحيان قياس هذه المتغيرات في التنظيم القضائي بشكل مباشر ودقيق بسبب بعض الصعوبات الإجرائية في بدايات الاهتمام بدراسة المحاكم، لكنه مع مرور الوقت استطاع بعض الباحثين التغلب على هذه الصعوبات ومنهم أستاذ القانون بجامعة شيكاغو (فرانك إيستربروك F. Easterbrook ) فقد أجرى دراسة لتقويم المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية حيث استطاع تقويم المحكمة من خلال المبادئ العامة التي تستند إليها في اتخاذ قراراتها واصفا بعض هذه القرارات بعدم الدستورية (Inconsistent Decisions) لكونها لا تقوم على المبادئ الشرعية التي حددها التشريع، كما انتقد الإجراءات المستخدمة في إصدار القرارات لوجود مؤشرات تجعل الظن يغلب بأنها قد تأثرت بالضغوط الخارجية The Externalities يضاف إلى ذلك نقده لعملية الإنجاز (The Performance) في المحكمة كتنظيم (As Institution) بسبب استقلالية الكثير من الفئات المهنية داخل التنظيم عن بعضها، وضعف قنوات الاتصال بين الأفراد المهنيين، وتراكم القضايا، والنقد الأخير (ضعف الإنجاز) في نظر (إيستربروك F. Easterbrook) من أهم معايير تقويم الكفاءة القضائية.
وعلى الرغم من صواب هذا التقدير لأهمية النقد الأخير فإن إصدار أحكام وقرارات قضائية غير نظامية أو دستورية نقد يجب أن يأتي - من وجهة نظرنا - على رأس معايير تقويم الكفاءة القضائية، ذلك لأن المحاكم وجدت لتعمل وفق النظام أو الدستور وتفعيل مواده في حيادية ونزاهة وانضباط، ومما يدعم وجهة النظر هذه أن (فرانك إيستربروكF. Easterbrook ) عاد ليؤكد على أن من مظاهر عدم الدستورية في القرارات والأحكام القضائية أن تصدر بناء على مبدأ التصويت (Voting Principle) ورأي الأغلبية (Majority Opinion) يضاف إلى ذلك ما يوجد من عجز في عنصر القيادة المهنية وسرعة وسهولة تغير أراء القضاة وغيرهم من المشتركين في المداولات، وهذا نقد وجيه لأنه يجب ألا يصدر الرأي القضائي منذ البداية إلا وهو يحمل عناصر قوته وبقائه المستمدة من النظام أو الدستور.
ولما كان النقد دون تضمين البدائل أو الاقتراحات يعد مثلبا من مثالب النقد والتقويم، فقد طرح (فرانك إيستربروك F. Easterbrook) عددا من المقترحات التي يرى أنها تعزز عمليات الإنجاز وتزيد الكفاءة والفاعلية القضائية وتساعد على اكتشاف العمليات غير الوظيفية داخل المحاكم على النحو الآتي:
1-          تطوير مستويات الإنجاز للهيئات القضائية.
2-          أن يصبح كل قاض مسؤول عن قراراته مباشرة.
3-          أن تكون الظروف والعوامل المؤدية إلى اتخاذ القرارات القضائية مرضية لجميع القضاة من خلال كونها تستند على قاعدة دستورية قوية وواضحة.
4-          أن تخلو القرارات من كل تناقض منطقي وعقلي.
5-          تعد المناقشات أمرٌ ضروريٌ لتطوير النظريات الدستورية بالتزامن مع تطوير النظريات السياسية ونظريات رفع الكفاءة الإنتاجية في مختلف المجالات.
6-          أن يعطى للقضاة دور رئيسي في عملية تطوير التشريع.
ويرى الباحث أن الاقتراح الأخير هذا مهم جدا لأن القضاة قد اكتسبوا بالضرورة خبرات مهمة من خلال التطبيق العملي وتفعيل مواد الدستور على خلاف المشرع الذي وضع القاعدة الدستورية دون أن يمارس متطلبات تطبيقها ودون أن يعاني من صعوبات تكييف الواقعات بناء على القاعدة النظامية أو الدستورية.
من الواضح أن دراسة (إيستربروك F. Easterbrook) ومقترحاته تأتي في صميم عملية تطوير المحاكم، لكن ما يؤخذ عليه أنه رأى بعد كل هذا أن عملية التطوير هذه نوع من الخيال (Utopia) يمكن تحقيقه من خلال المناقشات التي قد تبدو خيالية هي أيضا، كما يؤخذ عليه أنه يربط بين تطوير نظريات التشريع وتطوير النظريات أو الممارسات السياسية، الأمر الذي يجعل اقتراحه هذا غير قابل للتطبيق سوى في مجتمعه والمجتمعات المماثلة له من الناحية التشريعية والسياسية كي يتحقق هذا التطور المتوازي، ومن الإجحاف أن يكون التطور التشريعي تابعا للتطور السياسي، وإن كان في الأمر شيء من المنطق، ذلك لأن التطور السياسي في بعض المجتمعات يعاني من الشلل أو العطب.
المستوى الثالث- تقويم القضاة: لا توجد جدوى من إصلاح المنزل والمحافظة على صلاحه إذا كان بين ساكنيه من يتسببون في خرابه بين فينة وأخرى، وبالمثل فإنه لا جدوى من إصلاح التنظيمات القضائية دون الاهتمام بفئة القضاة ضمن عملية الإصلاح هذه، فالقضاة هم الذين يتخذون القرارات والأحكام القضائية في المحاكم على مختلف مستوياتها، ويدعم هذا الرأي ما ذهب إليه علماء الاجتماع، فقد وصفوا طبيعة العصر الحديث بعصر التخصص الذي يعتمد على الترابط القوي بين التعليم والتدريب Education) &  (Training كأساس لاكتساب الخبرة والمهارة وهذا هو ما أكد عليه (ماكس فيبر) عند تحليله لكل من فئة القضاة والمحامين، وكيفية تحديث النظام القضائي عن طريق هذه الفئات المهنية المتخصصة التي أسمى المنتمين لها بخبراء القانون (Experts of law) والذين يفترض أنهم ظهروا كواحدة من نتائج التغير والتحديث في كافة النظم الاجتماعية، أو هم بالأحرى مطلب حيوي لعقلنة النظم وفي مقدمتها النظام القضائي.

إن الاهتمام بدراسة فئة القضاة مطلب إنساني وأخلاقي وحضاري، وقد كان هذا واحدا من المجالات التي طرحها بعض أساتذة القانون الذين اهتموا بالدور الإيجابي والدور السلبي للقاضي، ليوضحوا الفرق بينهما وكيفية الاهتمام بالدور الإيجابي من أجل زيادة إنتاجية القاضي في مجال إصدار القرارات والأحكام القضائية ومجال التشريع وتفسير المواد الدستورية على حد سواء. وقد استخدموا عددا من المقاييس والمناهج لدراسة مدى توفر الدور الإيجابي للقاضي، ومنها الملاحظة، وعقد المقارنات الميدانية، وتحليل المستوى المهني للقضاة، وعوامل ترقية دورهم المهني والوظيفي، وطبيعة السلوك المهني القضائي، ومدى توفر متطلبات هذا السلوك لديهم.

وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن يكون من ضمن هذه المقاييس مدى التزام القاضي بالسلوك المهني الذي يجب عليه، ومدى تقبله لأنماط المساعدات المهنية والعلمية الأخرى، ومدى اعتماده على الشواهد والأدلة العلمية، وقدرته على التقويم الموضوعي والواقعي للمواقف قبل إصدار القرار أو الحكم القضائي، ومدى إسهامه في تطوير التشريع، وتعزيز العدالة في المحاكم، وقدرته على إدارة التفاعل بين المهنيين والإداريين العاملين تحت إشرافه، وتحقيق الضبط والاتصال بينهم، وتخفيف عوامل ومظاهر الصراع لديهم، وقدرته على توظيف كافة المعطيات العلمية في شتى المجالات لتحقيق العدالة القضائية وتسييرها.

الإصلاحات في النظام القضائي (Judicial Reform):
أولا- الإصلاح القضائي في إطار نظرية الدفاع الاجتماعي:
ليست إسهامات حركة الدفاع الاجتماعي مقتصرة على علم الإجرام والسياسة الجنائية، بل هي فتح جديد وشامل في علم الاجتماع الحديث، فقد أحدثت تغيرات جذرية في الإصلاح القضائي، والنظام العقابي، والمؤسسات الإصلاحية، ومختلف الأنساق التعليمية والمهنية والثقافية للفئات العاملة في هذه المجالات، وبخاصة القضاة والمحامون ومخططو السياسة الاجتماعية والجنائية في العصر الحديث.
وعلى الرغم من حداثة حركة الدفاع الاجتماعي فإنها لم تنفصل كلية عن الماضي الفلسفي والأخلاقي للعصور القديمة والوسطى، وربما كان هذا هو سر نجاحها، فالقيم لا تزول سريعا بل تتناقلها الأجيال وتظل تضرب بجذورها في أعماق الفكر والأدب والنظم والثقافة بشكل عام، والتشريعات والنظم ما هي إلا صدى أو تجسيد للقيم السائدة في المجتمع، وأي تنظيم أو تشريع لا يستند على هذه القيم ولو في صورة جزئية فإنه سيفقد أهم مكونات بقائه وهو القبول والرضى الاجتماعي، ولو ضربنا مثالا على ذلك بالتشريع الذي تفرضه سلطة محتلة أو ظالمة لوجدنا أنه لا مكان له في قلوب أفراد المجتمع وإن امتثلوا له قسرا، وبمجرد زوال هذه السلطة يصبح ذلك التشريع أقل من سقط المتاع، بل ويتحول إلى محفظة التاريخ كذكرى مؤلمة وتجربة سيئة فرضتها الظروف المصاحبة لتلك السلطة.
ومن مظاهر ارتباط حركة الدفاع الاجتماعي بالأفكار القيمية من الناحية الفلسفية والأخلاقية، ولا سيما تحليلات (أرسطو وأفلاطون وبروتاجوراس) ما ذكره أستاذ الفكر اليوناني الحديث (كارانيكس Karanikas) من أن الفلسفات القديمة تعتبر أن الإنسان الفاضل هو الذي يتحلى بالعلم والتربية السليمة ويقابل هذا في الفكر المنبثق عن حركة الدفاع الاجتماعي تكوين ما يعرف بالإنسان العادل المنصف المحب لغيره، وتكوين الأفكار التي ترتبط بالإنسانية مثل الحب، والتضحية، والعدل، والأفكار التي تهتم بالإنسان لمجرد إنسانيته وتعمل على تحقيق سعادته، ومساعدته في التغلب على الأزمات الناتجة عن عمليات التقدم التكنولوجي وتعقيداته، ومن هنا ركزت حركة الدفاع الاجتماعي على حماية هذه الصفات الإنسانية في المتهم، ومن مظاهر هذه الحماية أن تهدف النظم التشريعية والقضائية إلى استعادة الجاني إلى وسطه الاجتماعي عضوا نافعا، وهي بهذا تدافع عن المجتمع ضد جرائم العود بخاصة.
وقد أوضح (مارك آنسل) وهو أحد رواد هذه الحركة في النصف الأخير من القرن العشرين، أن من المهم فهم التطور التاريخي لمفاهيم حركة الدفاع الاجتماعي، ومنها أن هذه الحركة جاءت كرد فعل على المذاهب والأفكار الكلاسيكية القانونية والقضائية المتخلفة التي سادت المجتمعات خلال العصور الوسطى بخاصة، وكان من نتائج هذه الحركة ظهور تشريعات قضائية كبرى في دول أوربا وأمريكا ومنها على سبيل المثال بلجيكا التي أطلقت على هذه التشريعات مسمى قوانين الدفاع الاجتماعي.
ومن العلماء الذين كان لهم جهد بارز في حركة الدفاع الاجتماعي العالم الإيطالي (جراماتيكا) الذي رأس الجمعية الدولية للدفاع الاجتماعي، وكذلك (مارك أنسل) نفسه الذي خلف (جراماتيكا) في رئاسة هذه الجمعية إلى أن توفي سنة 1990م، والذي استطاع أن يحدث نقلة هائلة في النظم العقابية والسياسات الجنائية في كثير من دول العالم إلى درجة أصبحت معها أفكار حركة الدفاع الاجتماعي نوعا من الإلزام القضائي.
ويندرج ضمن مبادئ الإصلاح القضائي والتشريعي في العصر الحديث وبعد ظهور حركة الدفع الاجتماعي إعمال مبادئ العقد الاجتماعي بصورة عادلة، انطلاقا من حاجة أي مجتمع من المجتمعات إلى تنظيم العلاقات بين أفراده وجماعاته بواسطة سلطات مؤهلة للقيام بهذا الدور، فالأفراد في أي مجتمع بحاجة إلى توفير الأمن والطمأنينة وسبل العيش بهدوء وراحة، وهذه الحاجة هي التي أدت بأفراد المجتمع إلى الدخول في حالة العقد الاجتماعي الذي يتمثل في قيامهم بالتنازل عن جزء من حقوقهم لصالح هذه السلطات لتتولى تنظيم العلاقات بين مختلف الأفراد والجماعات، وهذه السلطات تضم عددا من الأجهزة، والتي لا بد أن تكون لها صلاحيات واسعة ومتنوعة بقدر تنوع وسعة أمور المجتمع في كافة مجالات الحياة، وتشمل هذه الصلاحيات إدارة أمور الدولة داخليا وخارجيا، وسن الأنظمة، وتفسير هذه الأنظمة وتطبيقها، والحكم في النزاعات بين مختلف الأفراد والجماعات.
والوضع الطبيعي أن تكون السلطات بيد أبناء المجتمع، وهم أصحاب الحق في اتخاذ القرارات الهامة المتعلقة بمصير مجتمعهم، ولهم الحق في أن  يفوضوا من يرونه مناسبا لممارسة هذه السلطات نيابة عنهم، وفق أسس وقواعد محددة متفق عليها، ودور السلطات هنا يكمن في ممارسة الصلاحيات التي منحها أفراد المجتمع لها في إدارة شؤونهم وتنظيم حياتهم، ومن هذا المنطلق فإن المهام التي تضطلع بها السلطات في الدولة تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
مهام تشريعية: وتتمثل في سن الأنظمة والتشريعات لتحقيق مصالح مختلف الأفراد في المجتمع وصون حرياتهم، والمحافظة على كيان المجتمع ومنع انهياره، بل والعمل على تقدمه وازدهاره وتضطلع بهذه المهام السلطة التشريعية، وقد تكون هذه السلطة في بعض البلدان منتخبة من الشعب وتعبر عن إرادته.
وتوجد لهذه السلطة تسميات تختلف من بلد إلى آخر، مثل: البرلمان، ومجلس النواب، ومجلس الشورى، ومجلس الشيوخ، ومن مهام هذه السلطة أيضا إيجاد ظروف اجتماعية واقتصادية وحضارية تضمن كرامة الإنسان وتصون حقوقه من خلال الأنظمة التي تسنها، وعادة ما يتمتع أعضاء هذه السلطة بالحصانة التي توفر لهم الحماية من إرهاصات السلطة التنفيذية.
مهام قضائية: وتتمثل في تفسير الأنظمة والقوانين، والحكم في المنازعات وفق هذا التفسير، وتضطلع بهذه المهام السلطة القضائية فتقوم بالحكم في المنازعات بين الأفراد والجماعات، وتراقب تنفيذ أحكامها من قبل مختلف الجهات داخل المجتمع، كما تعمل على منع انتهاك حقوق الأفراد، وتمارس هذه السلطة مهامها من خلال المحاكم التي تتوزع على أنواع ومسميات مختلفة من بلد إلى آخر، مثل المحاكم المركزية، ومحاكم الاستئناف، والمحكمة الدستورية العليا، والمحكمة الجزئية، والمحكمة الابتدائية، والمحكمة الكبرى، ومحكمة أو هيئة التمييز، ويتمتع أعضاء هذه السلطة بحماية وحصانة مكفولة في مواد التشريع لحمايتهم من ضغوط ونفوذ جميع السلطات عدا سلطة النظام أو التشريع نفسه.
مهام تنفيذية: وتتمثل في تنفيذ الأنظمة التي تم تشريعها و تلك التي نشأت عن حكم قضائي، وتضطلع بهذه المهام السلطة التنفيذية المتمثلة بجميع الأجهزة والمؤسسات الحكومية، وغايتها تفعيل النظام وتوفير الأمن لكل المواطنين، وتخضع هذه السلطة في المجتمعات المتقدمة لرقابة السلطة التشريعية وتكون مسؤولة أمامها عن وضع الخطط والإجراءات الكفيلة بتطبيق الأنظمة بما يضمن مصلحة الدولة والمواطنين، وهناك عدة أشكال لهذه السلطة تبعا لاختلاف الطرق التي تتم بها عملية وصول رئيس السلطة التنفيذية إلى منصبه.
إن مكانة السلطة التشريعية (التنظيمية) في غاية الأهمية إلى درجة أنه يمكن أن تعد مسؤلة عن تفكك المجتمع وانهياره إذا كانت التشريعات التي تسنها غير عقلانية، كأن تستند في سن التشريعات كليا أو جزئيا على الخرافة والوقائع التي عفا عليها الزمن ولم يعد القياس عليها ممكنا في العصر الذي يعيشه المجتمع المُوجد لهذه السلطة، ولا غرابة في أن تكون للسلطة التشريعية هذه الأهمية فالتنظيم الصادر عن السلطة التشريعية هو مجموعة القواعد والإجراءات والأنظمة التي تنظم علاقات أفراد المجتمع بعضهم ببعض، وعلاقاتهم بالدولة ومؤسساتها، وعلاقتهم بغيرهم من المجتمعات.
ومما لا شك فيه أن الأنظمة (القوانين) تعبير عن الظروف الخاصة التي يمر بها كل مجتمع، وصدا لمجمل التغيرات التي يمر بها المجتمع الإنساني بعامة، لذلك فإن من مصادرها الدين، والقيم، والعرف، وثوابت القانون الطبيعي، وقواعد العدالة المرعية في المجتمع، وشروط التعاون والتفاهم والتعايش بين المجتمعات بما يحقق الأمن والسلام للجميع، وبالتالي فإن هذه الأنظمة تختلف من مجتمع إلى آخر، ولا تتفق بشكل كلي سوى من حيث تقسيمها إلى قسمين هما:
القسم الأول- القانون العام: وهو مجموعة القواعد التي تبين النظام الأساسي للدولة، وتنظم العلاقة بين السلطات المختلفة في الدولة، وبينها وبين المواطنين، وكذلك تنظم العلاقة بين الدولة وغيرها من الدول.
القسم الثاني- القانون الخاص: وهو مجموعة القواعد التي تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم.
وللتنظيم سيادة مفروضة على الناس المقيمين في نطاقه الحيوي حكاما ومحكومين، وأولئك الذين صدرت عنهم أفعال عندما كانوا يقيمون في هذا النطاق ثم غادروه، وللتنظيم سيادة تجعله فوق الأهواء والرغبات الشخصية، وهذه السيادة تتحقق من خلال الضمانات التي فرضها التنظيم نفسه، ويقوم المجتمع برمته على حمايتها ومراقبة سلامتها، كما أن هذه الضمانات تعمل على استمرار النظام ودوام حيويته، ومنها:
1-          وجود تشريع (قانون) أساسي يحدد القواعد المنظمة لممارسة السلطات العامة لوظائفها، ويحدد لها الصلاحيات والضوابط.
2-          اعتراف جميع السلطات بحقوق الأفراد وحرياتهم، والعمل على منع انتهاكها من قبل السلطات المختلفة نفسها، أو من قبل الأفراد والجماعات والمؤسسات.
3-          تدرج التشريعات، فيكون النظام أو التشريع الأساسي فوق كل الأنظمة، ثم تأتي التنظيمات الأخرى بالتدرج بحيث تتفق معه ولا تخالفه، وهو بدوره لا يلغيها أو يقلل من قيمتها.
4-          وجود آلية قضائية تعمل في ظل استقلالية السلطة القضائية لحماية حقوق المواطنين والمقيمين من أي تعد أو تعسف من قبل سلطات الدولة، ومن الأمثلة على هذه الآلية عند تفعيلها في أي مجتمع ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية.
5-          وجود أجهزة متخصصة تمارس رقابة صارمة ونزيهة تضمن عدم استغلال الوظيفة لتحقيق المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، ولا يستثنى من أنشطتها أي فرد من أفراد المجتمع، ومن هذه الأجهزة في المملكة العربية السعودية المباحث الإدارية، وديوان المراقبة العامة، وهيئة التحقيق والتأديب، ومكاتب اتصال وزارة الداخلية المنتشرة في مناطق المملكة.
6-          وجود سلطات ثلاث هي: السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، تعمل وفق مبدأ فصل السلطات، لأن الفصل هو أحد أهم الشروط الضرورية لبناء مجتمع آمن ومتطور.
ومن المفيد أن يدرك المجتمع بأفراده وجماعاته ومؤسساته الرسمية والأهلية، أن فصل هذه السلطات عملية لا يتحقق العدل في المجتمع بدونها، ذلك لأن هذا الفصل يحول دون تجميع أو تمركز السلطات في يد فئة أو مجموعة من الأفراد، كما أنه يؤدي إلى توزيع الصلاحيات وتحديد الأدوار والمسؤوليات بين هذه السلطات، مما يسهل عملية إدارة أمور المجتمع والدولة في مختلف جوانب الحياة، ويضمن لجميع أفراد المجتمع ومؤسساته حق المشاركة والمساهمة في عملية اتخاذ القرار في كل المجالات، وفي ظل سيادة النظام الذي يخضع له جميع المواطنين على اختلافهم، وهم جميعا متساوون أمامه، ويمكن الخروج، بالإضافة إلى كل هذا، بعدد من الفوائد التي تتحقق بفصل هذه السلطات الثلاث، ومنها:  
1-          التخصص في العمل، حيث تعمل كل سلطة في مجال اختصاصها بما يفتح المجال واسعا لإتقان الدور والعمل الذي تقوم به على أحسن وجه.
2-          صيانة حقوق المواطنين وحرياتهم العامة ومنع التعدي عليها وكذلك منع التفرد والاستبداد.
3-          احترام النظام والحفاظ على سيادته، وتطبيقه بشكل متوازن بحيث يكون الجميع متساوين أمامه.
4-          خلق حالة من التوازن بين مختلف الفئات في المجتمع.
5-          إيجاد حالة من التكامل في ظل تقسيم العمل والتخصص فيه.
6-          إيجاد حالة من الرقابة على عمل السلطات والأجهزة المختلفة في الدولة، وهذا يؤدي إلى تطوير أداء هذه السلطات لخدمة المجتمع وتحسينها.
ومن المهم أن تكون السلطة التشريعية في حالة انعقاد شبه دائم، لتعديل التشريعات وصياغة الإضافات، وحذف المواد التي لم تعد منها فائدة، وتوحيد الأنظمة الفرعية بضمها إلى التشريع أو التنظيم الأساسي، كل ذلك لمواكبة كل جديد والحيلولة دون حدوث التخمة التشريعية.  
إن فصل السلطات لا يعني أن تكون بينها حالة من القطيعة والتضارب والاختلاف والتناقض، بل يعني التخصص والفصل في إطار التكامل، فلا يمكن لأي سلطة من السلطات الثلاث العمل بمعزل عن السلطات الأخرى، وهذه العلاقة قائمة بالأساس بهدف خدمة النظام في المجتمع وبما يعزز مبدأ سيادة هذا النظام، لخدمة المواطنين وتنظيم أمور حياتهم وتحقيق مصالحهم على أحسن صورة ممكنة، ويتم تنظيم الإجراءات الضرورية لإقامة التعاون بين السلطات من خلال النظام نفسه، وذلك عن طريق منح كل سلطة وسائل تمنع تنفيذ القرارات الخاطئة الصادرة من السلطة الأخرى بهدف تحقيق التوازن بينها، وما يهم الباحث هنا، ليس الخوض في الصلاحيات المتقابلة أو المتعادلة لهذه السلطات بل توضيح مفهوم استقلال السلطة القضائية في ضوء المفهوم السابق طرحه لمبدأ الفصل بين السلطات والتطبيق العملي لهذا الاستقلال وفق نصوص النظام، وصولاً إلى التنظيم القضائي الذي يعكس فهماً واضحاً ومحدداً يكفل الأرضية المناسبة لبناء سلطة قضائية تتوفر لها في ذاتها ومن حولها وفي مجتمعها مقومات تحقيق الاستقلال والقابلية للتطور والنمو المتوازي مع تطور المجتمع الذي يحتضنها ونموه، وتطور المجتمع الإنساني بعامة ونموه، ليس هذا فحسب، بل إن سلطة قضائية من هذا النوع تستطيع تغذية السلطة التشريعية باقتراح مشاريع أنظمة نابعة من الخبرة والتجربة والممارسة القضائية الكفأة.
ولا شك أن تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات، مع المحافظة على وجود التعاون والتكامل بينها، أمر في غاية الحساسية والأهمية، وقد نص النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية في المادة الرابعة والأربعين على أن السلطات في الدولة تتكون من: السلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، والسلطة التنظيمية، وأنها تتعاون في أداء وظائفها وفقا لهذا النظام وغيره من الأنظمة، وأن الملك هو مرجع هذه السلطات، ومن المؤكد أن هذا الترتيب للسلطات له مغزاه، كما نصت المادة السادسة والأربعون منه على أن القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية.    
وللوقوف على معنى أدق للفصل بين السلطات مع المحافظة على قنوات للتعاون بينها، يمكن على سبيل المثال، تحديد عدد من المواضع التي تلتقي فيها السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لبيان التكامل والتعاون بينهما، كمثال على وجود التكامل والتعاون بين السلطات الثلاث جميعها، وذلك على النحو الآتي:
1-          جميع موظفي السلطة التنفيذية وكافة الأجهزة والمؤسسات التابعة لها مسؤولون أمام السلطة التشريعية، ولذلك فمن حق السلطة التشريعية تقديم الأسئلة والاستفسارات عن عمل السلطة التنفيذية التي من واجبها الرد على ذلك، وقد تجلى مثل هذا الأمر في حضور عدد من الوزراء والمسؤولين السعوديين للإجابة على أسئلة مجلس الشورى.
2-          لا تستطيع السلطة التنفيذية ممارسة عملها كما ينبغي دون الحصول على الثقة من السلطة التشريعية، وما يمنع السلطة التنفيذية في بعض البلدان من طلب هذه الثقة هو الخوف من أن تقوم السلطة التشريعية بسحب الثقة إذا ما وجد مبرر لذلك طالما أنها هي التي منحتها أصلا.
3-          يحق للسلطة التنفيذية أن تدافع عن نفسها أمام السلطة التشريعية، وأن تقدم الإيضاحات والتفسيرات للبرامج والخطط التي تعمل عليها، والخطوات التي اتخذتها.
4-          يحق، بل يجب على السلطة التنفيذية اقتراح مشاريع أنظمة على السلطة التشريعية التي ينبغي عليها أن تدرس هذه المقترحات بسرعة وجدية.
5-          يحق للسلطة التنفيذية الاعتراض على الأنظمة التي تصدرها السلطة التشريعية.
6-         يجب على السلطة التنفيذية أن تعمل على تنفيذ الأنظمة التي تسنها السلطة التشريعية، وأن تتخذ القرارات واللوائح التي تحقق هذا التنفيذ على أكمل وجه.
 يتبين من كل ما سبق أن شكل العلاقة بين السلطات الثلاث ليس جامدا وليس أحادي الاتجاه، بل يتسم بالمرونة والتداخل، ويحكم هذه العلاقة مدى قدرة السلطات الثلاث على ممارسة التأثير الإيجابي في حياة المجتمع وضبطها بما يخدم مصلحته، وفي ظل تشريع عادل ينظم ويحدد هذه العلاقة على أسس واضحة وسليمة. تشريع يحترمه ويخضع له المجتمع بأسره.
ثانيا- الإصلاح القضائي في الإسلام:
كانت للعرب تقاليد وقواعد عرفية يحتكمون إليها في حياتهم ومعاملاتهم، وقد استفادوا من الأمم التي اتصلوا بها، وكانت عقوبة القتل العمد هي القصاص، أما القتل الخطأ فكان فيه الدية، وعرفوا أيضا نظام القسامة الذي سبقت الإشارة إليه في معرض الحديث عن وسائل إثبات الدعوى خلال العصور الوسطى في أوربا، وكذلك تحميل أهل القرية أو المدينة دية من يقتل في حدودها ولم يعرف قاتله، وكان العرب يلجأون إلى شيوخ القبائل وأهل الحكمة لفض نزاعاتهم.
وعندما جاء الإسلام كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول القضاة في الإسلام، وقد نزلت آيات قرآنية تبين وتوضح أحكام القضاء، وقد فوض الرسول القضاء إلى بعض أصحابه، وكان التكليف بالقضاء في أمور معينة أو بين أشخاص محددين أمرا معهودا، وقد سار الخلفاء الراشدون على هذا المنوال، غير أن معاوية بن أبي سفيان كان أول خليفة تخلى عن القضاء وعين قضاة في البلدان الخاضعة لسلطته، كما كان حكام الولايات يختارون قضاتهم في ولاياتهم، وقد كان تعيين القاضي يستند على حسن أخلاقه، فالقضاء يعد في نظر الخليفة من أعمال الخلافة، وكان الأمير في ناحيته يتولى القضاء إذا لم يول غيره هذه المهمة.
من الواضح أن كل الولايات في الإسلام معقودة لولي الأمر، ومنها ولاية القضاء وولاية الحسبة وولاية المظالم وولاية التنفيذ، وهي فرض عين عليه، له أن يقوم بها أو يفوض فيها، فقد كانت ولاية القضاء معقودة لرسـول الله صلى الله عليه وسـلم، قال تعالى: "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً"{105}.(4).
وقال تعالى: "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"{42}.(5).
وقال تعالى: "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ"{49}.(6)
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها)(7).
وقد ولى الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل قضاء اليمن، وكذلك ولى عليا بن أبي طالب ومعقل بن يسار وأبا موسى الأشعري، وجعل عتاب بن أسيد واليا وقاضيا على مكة بعد فتحها، كما ولى راشد بن عبد الله قضاء المظالم.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مشرعا وما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد انتقلت هذه الولايات دون تشريع الحدود، فإنها من المقدرات بمعرفة الشارع الأعلى جنسا وقدرا وارتفع سنها منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم انتقلت هذه الولاية إلى الخلفاء من بعده فكان الخلفاء يتولون القضاء وقضاء المظالم والإفتاء والتنفيذ وولاية الحسبة، ثم فوضوا في ذلك عمالهم أو من فوضوهم في القضاء بعد أن اتسعت الفتوحات الإسلامية، ومن أهم ما كتب من ضوابط القضاء في عهد الخلفاء رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، رضي الله عنهما، في أثناء توليه قضاء البصرة في عهده(8).
وقد استبقى الخلفاء لأنفسهم ولاية المظالم فإنها تنطوي على منع العدوان والظلم عن الأفراد من جور الولاة والحكام، وقد فصل عمر رضي الله عنه بين القضاء والولاية العامة، ومنها الحسبة والإفتاء، وإذا كان والي الحسبة لا يحكم والمفتي لا يلزم بفتواه مستفتيه فإن كلا من قضاء المظالم والقضاء العادي ملزم في قراراته وأحكامه للمتنازعين، كما أن القضاء يلتزم بما يسنه ولي الأمر وعليه تطبيقه، وعلى السلطة التنفيذية تنفيذ ما يسند إليها تنفيذه بناء على تشريع أو حكم قضائي.
ويعد الحكم القضائي كاشفا للحكم الشرعي الفاصل في النزاع بناء على الطرق الشرعية المطروحة والتي اقتنع عن طريقها القاضي بأن هذاِ هو حكم الله طبقا لشريعته كما ورد في الآية رقم (49) من سورة المائدة، وطبقا لما سنته السلطة التنظيمية (التشريعية).
ويلاحظ أن قضاء المظالم يحكم بما أنزل الله طبقا للأنظمة التي وضعها ولي الأمر، وتتضمن الجرائم ذات العقوبة التعزيرية سواء كانت تلك الجرائم أفعالا حرمها الله تعالى في الكتاب والسنة كما هو الحال في الرشوة لقوله تعالى: "وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ"{188}.(9) ولم يضع لها الشارع الأعلى عقوبة مقدرة وبالتالي فوض الإمام في وضع عقوبات تعزيرية إزاءها، أم كانت من قبيل تقييد الإباحة استنادا إلى المصالح المرسلة(10)، وسد الذرائع(11) وهي من الأصول التي تستمد منها الأحكام الشرعية فيما لم يرد فيه نص.
ويرى كثير من الباحثين أن القضاء الإسلامي قد اشتمل على  معظم ضمانات النزاهة وتحقيق العدل منذ العصور الإسلامية الأولى، إلى درجة تضاهي بل تفوق ما هو موجود في أفضل النظم القضائية الحديثة إذا ما طبقت تلك الضمانات بأمانة ونزاهة وحياد، وقد أفصح (مارك أنسل) عن وجود علاقة تاريخية بين الشريعة الإسلامية وظهور حركة الدفاع الاجتماعي، وقد اهتمت كثير من الدراسات بعقد مثل هذه المقارنات بين الشريعة الإسلامية وحركة الدفاع الاجتماعي من حيث مراعاة الحقوق الإنسانية للفرد وتحقيق التكامل والعدالة، فقد عمد (ماكس فيبر) إلى دراسة نظم التكافل الاجتماعي والنظام القضائي في الشريعة الإسلامية كعاملي وقاية من الجريمة.
حماية استقلال القضاء:
يعد استقلال القضاء موضوع على جانب كبير من الأهمية، بل إنه شرط من شروط القضاء العادل، ويتحقق الوجه الأول لاستقلال القضاء من خلال الفصل الحقيقي والعملي بين السلطات على ضوء المفهوم الصحيح لهذا الفصل، ويمكن أن يتحقق مفهوم واضح لاستقلال القضاء، وبالتالي نزاهته، من خلال المقابلة أو المضاهاة بين المفهوم الحقيقي للفصل بين السلطات، وبين الانتهاكات المحتمل حدوثها لمبدأ الفصل هذا ومبدأ استقلالية القضاء ونزاهة، والتي قد تحدث نتيجة للقصور في تطبيق مبدأ الفصل شكلا ومضمونا، ونتيجة لعدم توفر الحماية الذاتية لاستقلال القضاء والحماية من قبل المجتمع.
ولا شك أن الصور المحتمل وقوعها لانتهاك نزاهة القضاء واستقلاله، في المجتمعات الموبوءة بالفساد التشريعي والقضائي والتنفيذي، كثيرة ومتعددة سواء تلك الانتهاكات والممارسات التي يمكن أن تتم في أثناء نظر القضايا أمام المحاكم، أو تلك التي يمكن أن تتم بعد صدور الأحكام أو القرارات القضائية، أو تلك الانتهاكات الماسة بالضمانات النظامية المعززة لاستقلال القضاء ونزاهته، وبخاصة ما يتعلق منها بضمانات تعيين القضاة، ونقلهم، وتقاعدهم، وعزلهم، وتأديبهم، ورغم هذه الكثرة فإنه يمكن تصور بعض الأمثلة لتلك الانتهاكات على النحو الآتي:
1-        قد يسعى البعض من الوجهاء والمسئولين، بل ومن القضاة أنفسهم، للوساطة والتدخل للحصول على أوامر وتوجيهات لتعيين أشخاص كقضاة، أو لترقيتهم أو نقلهم، أو للحصول على امتيازات مشروعة وغير مشروعة، وضرر هذا على استقلال القضاء يتمثل في أن القاضي الذي حصل على شيء من ذلك عبر هذا المسلك المشين لن يستشعر في نفسه الاستقلال أبدا لأنه سيصبح مديناً لشخص معين أو جهة معينة بمنصبه القضائي، أو بما حققه من أهداف، وسيظل يستشعر في نفسه نقطة ضعف لأنه لم يحصل على ما حصل عليه بفضل كفاءته وأهليته.
2-        قد يسعى بعض الوجهاء والمسئولين إلى التأثير على سير القضايا أمام المحاكم، أو يحول دون تنفيذ أحكام القضاء ومن ثم عرقلتها.
3-        قد يعمد بعض أصحاب القضايا أو ذويهم إلى الاعتداء على القضاة والتهديد بالقوة، وربما يدفع إلى هذا الاعتداء وقوع ظلم متعمد ناشئ عن الفساد القضائي، أو بسبب عدم أهلية القاضي، وفي أي من الحالين فإن على السلطة القضائية أن تتهم نفسها، لأن هذا الاعتداء دليل قاطع على تدني مكانة القضاء في نفوس بعض أفراد المجتمع، وعدم شعورهم باحترام القضاة، والأحكام والتصرفات الشخصية والقرارات القضائية الصادرة عنهم.
4-        قد تنتهك نزاهة القضاء واستقلاليته من قبل الأجهزة القضائية الرئيسة نفسها، من خلال عدم الحرص على حقوق القضاة النزهاء، في غمرة الانشغال بتحقيق مصالح القضاة الذين يسلكون لتحقيقها مختلف الطرق الملتوية.
5-        قد تنتهك نزاهة القضاء واستقلاله من خلال السخرية والاحتقار، فعندما يفقد القضاء سنده الاجتماعي يصبح محل سخرية أبناء المجتمع واحتقارهم، بسبب التناقضات التي تثير هذه السخرية وهذا الاحتقار، وبالتالي عدم الثقة فيما يصدر عنه.
6-        قد يسلك بعض القضاة سلوكا مشينا يكرس القناعة لدى أفراد المجتمع بأن القضاء أصبح وسيلة للتكسب والتجارة، كأن ينخرط القاضي في التجارة الإنتاجية أو الاستهلاكية أو العقارية، أو يدخل شريكا من الباطن في مكتب أو أكثر للمحاماة، ومن هنا تنتهك نزاهة القضاء من قبل بعض القضاة أنفسهم، وينتهك أفراد المجتمع استقلال القضاء ونزاهته بتعميم حكمهم هذا على جميع القضاة، فيحطون من هيبة القضاء ويشككون في نزاهته.
7-        قد تتفاقم الانتهاكات إلى درجة تصبح فيها وظيفة القاضي مهنة تشترى وتباع وتورث، ولا شيء أسوأ من أن يشتري شخص وظيفة القضاء كمورد رزق.   
إنه إذا ما وُجِدَ شيء من هذه الانتهاكات لنزاهة القضاء واستقلاله في أي مجتمع، فينبغي أن يعد ذلك كارثة تنذر بعواقب وخيمة، وستتعزز هذه الانتهاكات عندما لا تقابل بالردع والعقاب الصارم من قبل أجهزة الدولة، أيا كان الانتهاك، ومهما كانت منزلة المنتهِك.
إعداد القضاة وتخصص القضاء:
يبدأ إعداد القاضي وتكوينه في العصر الحديث منذ التحاقه بالمعهد أو الكلية الشرعية أو القانونية، وهناك علاقة قوية بين ما تتضمنه المناهج التعليمية والطرق المتبعة في تدريسها نظريا وتطبيقيا وبين تحقيق مستوى عال من الكفاءة لدى المتخرج للعمل في مجال القضاء، وقد اهتمت بهذه العلاقة الحقيقية معظم دول العالم، ففي التجربة الفرنسية أنشئ معهد متخصص للدراسات القضائية تابع لوزارة العدل حيث تجرى مسابقة واختبارات متعددة لخريجي كليات الحقوق لتحديد أفضل العناصر ومن ثم قبولهم للدراسة بهذا المعهد، كما استحدث نظام القضاة المستمعين، واستحدث أيضا مركزا قوميا للدراسات القضائية، كل ذلك بهدف إعداد قضاة محترفين في المستقبل وتكوينهم. وبالإضافة إلى الإعداد الأساسي هذا نجد أن بعض الدول تقوم بتدريب المتخرج للعمل كقاض جنائي من خلال العمل في النيابة العامة فيكلف بالعمل في القضايا الجنائية دون غيرها ثم يتدرج في مناصب القضاء الجنائي، ويسلك زميله المسلك نفسه ولكن بالتخصص في مجال القضاء المدني، وقد انتهجت اليابان هذا المنهج تقريبا في إعداد القضاة وتأهيلهم تأهيلا عاما وتخصصيا، إيمانا منها بأن التخصص أضحى سمة من سمات هذا العصر، هذا في إحدى الحضارات الشرقية، ولتوضيح أهمية التخصص في القضاء الحديث في الحضارة الغربية نجد التشريع الفرنسي لسنة 1958م يشترط أن يكون القاضي الذي ينظر في القضايا ذات الطابع الاجتماعي متخصصا في القضاء الاجتماعي، ويشترط كذلك ألا يقضي القاضي إلا فيما تخصص فيه، وأن يبقى في إطار تخصصه طوال مدة خدمته.
وبناء على كل هذا يمكن القول إن الحفظ والتلقين والترديد ليس وسيلة مناسبة لوحده لإعداد القاضي، فمع أهمية ذلك في مجال القضاء برمته، والقضاء الجنائي والإجراءات الجنائية وإجراءات المرافعات القضائية ونظمها، وفي كل العلوم بشكل عام، فإن الشخص الذي يجري إعداده ليكون قاضيا لا يمكنه الحصول على الإعداد الأمثل عن طريق الدراسة النظرية فحسب، سواء الحديث منها أو التقليدي، وإنما أيضا من خلال تلقيه تدريبا عمليا يتوقف على نتائجه أن يعمل قاضيا أو لا يعمل.
ويمكن القول أن أهمية وجود قضاء جنائي متخصص، بعد أن وجد قضاء متخصص أو لجان شبه قضائية في كثير من المجلات، تزداد يوما بعد يوما، وهناك عدد من المبررات لوجود هذا التخصص، صنفت إلى فئتين هما:
·                الضرورات الفقهية.
·                الضرورات العلمية والعملية.
فمن حيث الضرورات الفقهية نجد أن الحدث في الشريعة الإسلامية وفي كل القوانين والأنظمة يعامل معاملة خاصة إذا اقترف فعلا من الأفعال المعاقب عليها، وهي معاملة تختلف عن معاملة المذنبين أو المجرمين البالغين من كل الوجوه، لذلك فالأمر يستدعي وجود تخصص لقضاء الأحداث، يضاف إلى ذلك ما صدر عن المؤتمرات الدولية من توصيات ودعوات تبنت فيها مبدأ تخصص القضاء الجنائي، ودعت إلى إعداد القاضي إعدادا تخصصيا كفؤا.
أما الضرورات العلمية والعملية لتخصص القضاء الجنائي بخاصة، فمنها ضرورة فهم القاضي لسياسة التجريم والعقاب وفلسفتها وليس الاكتفاء بالبحث في مدى توفر أركان الجريمة، كما أن المشرع له مقاصد دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية لا بد للقاضي من فهمها ولن يتسنى له هذا الفهم إذا ما تصرف كقاض موسوعي، كما أن شخصية المتهم تحتاج إلى دراسة لفهم العوامل والظروف التكوينية والنفسية والاجتماعية التي دفعت به إلى الجريمة وهذا أمر أساسي في القضاء الجنائي، بينما القاضي المدني يفصل في النزاع دون الالتفات إلى أي شيء من ذلك.
ومن المبررات أو الضرورات العلمية والعملية أيضا ضرورة إشراف القاضي على تنفيذ العقوبات، فالقاضي الجنائي هو الذي يرسم الصورة التي ينبغي أن يكون عليها المستقبل الجنائي للمحكوم عليه بالعقوبة، لذلك لا بد من متابعة هذه الصورة بالمراقبة والإشراف حتى يكون التنفيذ على النحو الذي يحقق أكبر قدر ممكن من مكونات هذه الصورة وبخاصة عندما يصدر الحكم بتدبير احترازي أو وفق تدابير الدفاع الاجتماعي، أو عند إعمال بدائل العقوبات السالبة للحرية؛ لأنها جميعا قد تكون غير واضحة المعالم للسلطة التنفيذية على وجه اليقين، وهنا لا بد من وجود قاض متخصص في مجال التنفيذ العقابي حتى تتحقق أهداف الحكم الصادر ضد المتهم من الناحية التشريعية والإصلاحية، وليس ذلك في إمكان القاضي الجنائي الذي أصدر الحكم بسبب انصرافه لنظر القضايا فضلا عن كون عمل الإشراف القضائي على التنفيذ العقابي يحتاج إلى قدرات ومعارف نظامية واجتماعية وإنسانية معينة.
وفي كل الأحوال فإن التطورات الكبيرة في شتى المجالات، والتطورات في مجال السلوك الإجرامي بخاصة تفرض الاهتمام البالغ بإعداد القضاة وتأهيلهم، إذ من المؤكد أن عملية إصلاح الجناة سوف تكون ناجحة أو فاشلة بقدر ما يكون الإجراء العقابي أو التدبير البديل صحيحا أو خاطئا، لذلك فمن المهم أن يكون تأهيل القضاة في أي مجتمع تتطلع نظمه إلى مسايرة ركب البشرية في التقدم عبر التنمية الشاملة مشتملاً على العلوم والمعارف الصحيحة المتعلقة بعلم الجريمة والعقوبة، سواء تلك المستخلصة من الدين السائد في المجتمع نفسه، أو من معطيات العلوم الوضعية في أي مكان من العالم.
ويأتي على الدرجة نفسها من الأهمية اختيار من سيتم تأهيلهم للعمل في مجال القضاء، إذ لابد من اختيارهم وفق معايير مقننة تعطي صورة واضحة عن الصفة النفسية والعقلية لديهم، وتعطي كذلك مؤشراً صادقاً عن توجهاتهم الثقافية ومعرفتهم بالمتغيرات وقدرتهم على استيعابها والتعامل مع المستجدات الطارئة في حياتهم المستقبلية، وذلك من خلال المقاييس النفسية والاجتماعية والثقافية قبل التأهيل وفي أثنائه وبعده، ويأتي ذلك تمشياً مع اهتمام الأسرة الدولية بالقضاء، فقد أكدت مؤتمرات الأمم المتحدة على الحاجة إلى تطوير الكفاءات القضائية علميا وعمليا ليكونوا قادرين على مواجهة التغيرات في مجال الظاهرة الإجرامية والتحولات في المجتمع الإنساني بشكل عام، كل ذلك يهدف إلى أن يكون القاضي ملما بالأسباب الدافعة إلى السلوك الإجرامي، والعوامل التي تسهم في رفع حدة تلك الأسباب، ويكون قادراً كذلك على التعامل مع المتخصصين في تلك الأسباب والعوامل، وفهم التقارير التي يعدونها للاستعانة بها في وصف العلاج المناسب للحالة المرضية التي بين يديه؛ لأن عدم الاستعانة بالعلوم الطبية والنفسية والاجتماعية لتقويم حالة المتهم ومعرفة الظروف المحيطة به قبل المحاكمة وفي أثناءها قد يحجب عن الحكم بعض الزوايا المهمة وبالتالي إعاقة برنامج الإصلاح، فالقاضي (ناظر القضية) الذي تلقى تأهيلاً أكاديمياً وعملياً يتماشى مع روح العصر ومع توصيات المنظمات والهيئات الدولية ومؤتمراتها في هذا الخصوص، يستطيع أن يجمع المعلومات الواردة في تقارير المتخصصين مع المعلومات التي استقاها من تأهيله الأكاديمي والعملي ومتابعته لكل جديد في مجال علم الجريمة والعقوبة، ثم يوظفها جميعاً للحصول على تقدير واقعي لمدى توافر أركان الجريمة، ومدى مسؤلية الجاني، ومدى تقصير مجتمعه في توفير الظروف الملائمة للحياة السوية، ومدى الضرر الذي لحق بالمصلحة المعتدى عليها، ومن ثم ينتقي العقوبة أو البديل المناسب في حالة الإدانة، وكذلك الأسلوب الأمثل للتنفيذ حتى يكون للعقوبة أثرها العلاجي والوقائي، وليـس مجرد الانتقام.
وليست عملية إعداد القاضي في المجتمع السعودي بعيدة عن مثيلاتها في الدول المتقدمة من حيث المراحل لا المضمون، فالقاضي يتلقى علومه الشرعية في مرحلة البكالوريوس ثم يلتحق بالمعهد العالي للقضاء، وقد يعمل بعد التخرج ملازما قضائيا لأحد القضاة المتمرسين لفترة من الزمن كافية يمارس بعدها مهام القضاء.
إن القاضي الموسوعي لم يعد موجودا في هذا العصر الذي تعددت فيه المشكلات والتخصصات إلى درجة أصبح معها التخصص الدقيق قابلا لأن ينقسم إلى عدد من التخصصات خلال مدة وجيزة، ولهذا فلا بد من التخصص في التأهيل والممارسة القضائية حسب معطيات العلم الحديث إلى جانب التأهيل الشرعي المعمول به حاليا، ويمكن أن تضطلع هيئة التحقيق والادعاء العام بتدريب المتخرجين من المعهد العالي للقضاء وذلك بالعمل فيها لعدد من السنوات يتدرج خلالها الشخص المراد أن يصبح قاضيا في السلم الوظيفي حتى يصل إلى الدرجة التي يكون معها مؤهلا لممارسة القضاء مباشرة، بحيث يمارس في أثناء مدة العمل التدريبية الأعمال المتعلقة بتخصص قضائي معين ليصبح في المستقبل قاضيا في هذا التخصص.
إجراءات التقاضي:
تبين آنفا أن مسمى الأجهزة القضائية لا يقتصر على المحاكم فحسب، بل  يشمل عددا من الأجهزة التي تشترك في سلسلة من الإجراءات القضائية تبدأ بالاستقصاء والاشتباه، وتنتهي بانتهاء المعاملة العقابية، وقد تكون الأمور أكثر وضوحا في مجال التقاضي المدني عنه في التقاضي الجنائي، فالدعوى المدنية تنشأ عن فعل غير مشروع يلحق ضررا بالآخرين وهدفها الحصول على حكم بالرد أو التعويض أو ما يسمى بالضمان، سواء كان هذا الفعل صادرا عن مكلف أم غير مكلف، أما الدعوى الجنائية فلا تنشأ إلا عن فعل يعد جريمة ويصدر عن مكلف يكون أهلا للمسؤلية الجنائية التامة عن فعله، وهدفها الحصول على حكم بعقوبة ما على الجاني.
وقد يجمع القاضي في الإسلام بين عقوبة مدنية وعقوبة جنائية كالحكم بالقطع في حد السرقة مع رد المسروق أو تعويض صاحبه، وقد يجمع بين عقوبة الدية وعقوبة التعزير وليس ذلك من باب معاقبة الشخص على فعل مرتين، فإنهما دعوتان منفصلتان اعتبارا ومضمونا وإن اتصلتا زمنيا وإجرائيا(12).
ومن حيث العدد نجد أنه لا حصر للأفعال التي تنشأ عنها الدعوى المدنية، أما الجرائم التي تنشأ عنها الدعوى الجنائية فمحصورة إذ لا جريمة إلا بنص، كما أن الدعوى المدنية في التنظيمات القضائية الحديثة ترفع أمام المحاكم المدنية أما الدعوى الجنائية فترفع أمام المحاكم الجنائية، وهناك أيضا دعوى إدارية تقصد إلغاء قرار إداري أو التعويض عما ألحقه هذا القرار بالمدعي من ضرر وهي ترفع أمام محاكم خاصة كديوان المظالم في المملكة العربية السعودية، وهناك أيضا الدعوى التأديبية التي تنشأ عن الإخلال بواجبات الوظيفة، وإذا صدر ضد الشخص جزاءات إدارية فإنها لا تعد عقوبات لأنها تستهدف محاسبة الموظف على خطأ وظيفي فتكون منصبة على حياته الوظيفية بينما تكون الجزاءات الجنائية عقوبة على جريمة وتلحق الشخص في حريته أو بدنه أو ماله، لكن إذا ما كانت إحدى اللجان مخولة بممارسة اختصاص قضائي ما فإن قراراتها ليست قرارات إدارية ولا جزاءات إدارية وإنما هي جزاءات جنائية ومن قبيل ذلك قرارات اللجان الجمركية، ومن المهم جدا في المملكة العربية السعودية معرفة أن ديوان المظالم، وإن كان وجد للفصل في المنازعات بين السلطة التنفيذية بخاصة والأفراد، وحماية الأفراد من أي جور قد يقترفه شخص من المنتسبين إلى هذه السلطة، فإنه ليس مخولا بالبت في القرارات والأحكام القضائية، سواء كانت صادرة عن محكمة أم عن لجنة قضائية. وسوف يتم الاقتصار في المعالجة التالية على الضبط القضائي في الدعوى الجنائية لتوضيح بعض الجوانب المتعلقة بمعاملة المشتبه والمتهم والمدان منذ بداية التعامل معه وحتى صدور الحكم القضائي. لأن لهذه المعاملة دورا كبيرا في نجاح العلاج القضائي، أو برنامج الإصلاح الموجه للمحكوم عليه، وتحديد مآله مع نفسه ومع مجتمعه مستقبلا إذا لم تكن عقوبته استئصالية.
فمن المعروف أنه إذا فشلت إجراءات الضبط الاجتماعي وتدابيره في منع وقوع الجريمة، فإنها بعد وقوعها تحتاج إلى إجراءات ضبط قضائي تمر بخمس مراحل هي:
1-          الاستقصاء والاشتباه.
2-          التحري والتحقيقات الأولية.
3-          المحاكمة.
4-          الطعن (الاعتراض أو الاستئناف) على الحكم.
5-           تنفيذ العقوبة.
وفيما يلي سوف يناقش الباحث المراحل الأربعة الأولى أما تنفيذ العقوبة فقد سبق التحدث عنه ومناقشته في الجانب المتعلق بإعداد القضاة وتخصص القضاء.(13)
أولا- مرحلة الاستقصاء والاشتباه:
وهي حالة ذهنية يصح معها في العقل القول بمظنة وجود جريمة، وتتحقق هذه الحالة في عدد من الأحول منها:
1-          الوفاة: فقد يتم العثور على جثة في ظروف تدعو الأجهزة الأمنية إلى الاشتباه في أسباب الوفاة فتعمد إلى استقصاء كل المعلومات عن الجثة فإذا رجح رجال الأمن أن أسباب الوفاة جنائية انتقلت الأمور إلى مرحلة الاشتباه فيمن قد يكون اقترف هذه الجريمة عمدا أو خطأ، فإذا لم يسفر الاشتباه عن دلائل أو قرائن على اتهام شخص أو أشخاص معينين سجل الحادث ضد مجهول، أما إذا قامت هذه الدلائل أو القرائن ضد شخص أصبح مشتبها فيه، والمشتبه فيه لا يجوز اتخاذ أي إجراءات تمس حريته، كالقبض عليه أو تفتيشه شخصيا أو تفتيش أشيائه أو سيارته أو دابته لكونها متعلقة بحرمة شخصه إلا أن يأذن في ذلك بمحض إرادته دون إكراه أو تهديد، والقاعدة أن من يجوز لرجل الأمن تفتيشه فإنه يجوز له تفتيش جميع مستلزماته، ويجوز استدعاء المشتبه فيه دون القبض عليه لسؤاله تحت مبرر عيشنا في مجتمع يجب الحفاظ على أمنه، فإذا لم يستطع دحض الاشتباه تحول من مشتبه فيه  (Suspect) إلى متهم (Accused).

2-          إيجاد الشخص نفسه في ظروف تدعو إلى الريبة والشك: ومن قبيل ذلك أن يشاهد رجل الأمن شخصا في وقت متأخر من الليل يحمل أشياء ذات قيمة فله أن يسأله فإذا لم يقدم إيضاحات مقنعة حول هذه الأشياء أو تبين أنها مسروقة فله أن يستوقفه، ومن تجارب الدول وطرائق نظمها في مثل هذه الحالة نجد أنه يجوز في بريطانيا لرجل الأمن أن يفتشه بعد الاستيقاف للتأكد من عدم وجود أسلحة، ويعد هذا التفتيش قبضا وحجزا وانتهاكا للحرية غير مشروع بقدر الوقت الذي يستغرقه إذا ظهر أن هذا الشخص بريئا، أما إذا تبين أنه قد ارتكب جريمة تحول إلى متهم، وإذا تبين أنه كان يخطط لارتكاب جريمة جاز اتخاذ إجراءات منعية ضده كالتعهد بعدم اقتراف أي عمل مخل بالأمن، أو تكليفه بالحضور إلى الشرطة في أوقات محددة، أو تكليفه بعدم مغادرة منزله ليلا لفترة محددة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكلف بالحضور إلى مركز الشرطة أكثر من مرة واحدة في اليوم الواحد، كما لا يجوز للشرطة انتهاك حرمة منزله للتأكد من وجوده إلا إذا رفض الإجابة بعد النداء عليه ثلاث مرات.
3-          حالة التلبس بالجريمة: وفي هذه الحالة يجوز لرجل الأمن أن يأمر جميع من وجد في الموقع بعدم مبارحته حتى تتبين حقيقة الموقف، وهذا الاستيقاف تبرره حالة التلبس والخوف من إفلات الجناة وفقد الشهود، وهنا يتبين أن المساس البسيط بالحرية أمر تقتضيه مصلحة المجتمع إضافة إلى أن الحرية ليست مطلقة، غير أنه يجب عدم استغلال مثل هذا الموقف لانتهاك الحريات المكفولة بشكل تعسفي.
ثانيا- مرحلة التحري والتحقيقات الأولية:
وهي مرحلة يستطيع المتهم من خلالها أن يعرف التهمة المنسوبة إليه وما يتوفر ضده من أدلة، ويجوز له أن يحتفظ بدفاعه ضدها إلى جلسة المحاكمة، وتعد هذه المرحلة من أكثر المراحل التي تنتهك فيها حقوق الإنسان، فالمفترض من المحقق أن يستخدم كل الوسائل المباحة لجمع الأدلة فينتقل إلى موقع الحادثة مرات متعددة، ويجمع المعلومات من مصادر مختلفة وكثيرة، ويبذل جهودا مكثفة في التحليل والتفكير لجمع هذه الأدلة وتصنيفها والربط بين الوقائع، وعليه أن يستعين بكافة الوسائل العلمية المتاحة والمشروعة وذات الصلة المباشرة بالأدلة المطلوبة لإدانة المتهم حسب نوع التهمة، وهنا تظهر قدرات المحقق الكفء، وهنا أيضا تظهر نقاط ضعف المحقق الفاشل.
ومن المؤسف حقا أن بعض المحققين في بلدان كثيرة من العالم يعمدون إلى صنوف شتى من التعذيب النفسي والبدني لانتزاع الاعتراف من المتهم بأقصر الطرق متجنبين الجهود التي تتطلبها عملية جمع الأدلة والحصول على اعتراف أو إدانة المتهم بالطرق المشروعة راكنين إلى مبدأ (الاعتراف سيد الأدلة) وتكشف الخبرات والتجارب أن هذا المبدأ ليس صحيحا(14) لأن الاعتراف قد ينتزع بالقوة، وقد يتم رغبة من المتهم في التضحية دفاعا عن المجرم الحقيقي، أو قد يحدث رغبة في الخلاص من أساليب التحقيق الوحشية، ومن المؤسف أيضا أن التحقيق عند هؤلاء المحققين الفاشلين يتحول إلى وسيلة للاتهام فقط فيجردون التحقيق من صفته أو وجهه الآخر كوسيلة للدفاع أيضا.
إن الهدف من التحقيق هو الكشف عن الحقيقة ليعاقب المذنبون وتعالج انحرافاتهم، وتصان كرامة الأبرياء، فمن المعلوم أنه بعد  وقوع الجريمة تثور مصلحتان هما مصلحة المجتمع في العقوبة ومصلحة الأفراد في صيانة حقوقهم، وإذا كان لا يمكن تحقيق المصلحة الأولى دون المساس بالمصلحة الثانية فإنه يمكن تحقيق الثانية دون المساس بالأولى وذلك باحترام حقوق الأفراد سواء كانوا أبرياء أم مذنبين، وبخاصة أن البراءة هي الأصل في الإنسان حتى تثبت إدانته، والأمر لا يقـتصر على عدم إجبار المتهم على الاعتراف بل يتعداه إلى عدم جواز إجبار الشهود على الإدلاء بما لا يريدون، تماما مثلما أنه لا يجوز منعهم من الإدلاء بما يريدون الإدلاء به.
وسيضرب البحث صفحا عن الخوض في الإعلانات والمبادئ والصكوك الدولية الموجهة لحماية الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية وغي الإنسانية، مكتفيا بجزء يسير من شريعتنا الإسلامية في تحريم مثل هذه الممارسات، فمن غير المشكوك فيه أن الشريعة الإسلامية تهتم بعدم إدانة البريء أكثر من اهتمامها بمعاقبة المجرم، وهذا مبدأ صحيح ورائع، لأن الضرر الذي يلحق بالعدالة جراء إدانة بريء لا يقل عن الضرر الناجم عن إفلات مجرم من العقوبة، ليس هذا فحسب بل إن الشريعة الإسلامية تأمر أن تدرأ الحدود بالشبهات، قال صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)(15)، وقال عليه الصلاة والسلام: (أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله).(16)
ويدل هذان الحديثان على أمرين في غاية الأهمية:
الأمر الأول- جواز أن يُدفع الحد بكل شبهة تذهب باليقين في التهمة الموجبة للحد.
الأمر الثاني- أنه يجب الاستمرار في ستر الجريمة ومنع كشفها طالما أنها ارتكبت في غير إعلان؛ لأن تتبع جرائم الحدود المستترة وتحري طرق إثباتها ومن ثم إعلانها فيه تجسس منهي عنه بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"{12}.(17) ومنهي عنه أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخوانا)(18).   
إن الشريعة الإسلامية لا تجيز أن يُعد المتهم مذنبا إذا لم يُثبت براءته، ولا تجيز أن يطلب منه تقديم دليل ضد نفسه، فعبء الإثبات يقع على عاتق الاتهام، وإذا تطوع لإثبات براءته فلا يطلب منه أن يصل بهذا الإثبات إلى حد اليقين القاطع بل يكفي أن يقدم ما يبعث على الشك في صحة الأدلة المقدمة من جانب المحقق أو الادعاء، كما أن الشريعة الإسلامية تحرم على جهة التحقيق أن تخفي دليلا ظاهرا لصالح المتهم لكون ذلك من الخداع والظلم وغمط الحق والتعدي، فقوام الشريعة الإسلامية العدل والمحافظة على كرامة الإنسان، ومن لوازم العدالة أن يتم إبلاغ ذوي المتهم بوجوده لدى الجهات الأمنية فور القبض عليه.
وقد يستمر توقيف المتهم في أثناء مدة التحقيق وجمع الأدلة، وبخاصة في الجرائم الكبيرة، وفي هذه الحالة فإن هذه المدة ليست ملكا للمحقق يصرفها كيفما اتفق فقد تطول هذه المدة ثم يظهر في أثناء المحاكمة أن المتهم بريء، لذلك فإن تحقيق العدالة يتطلب بالضرورة أن تتم عملية تجديد الأمر بالتوقيف من قبل الجهة المشرفة على التحقيق وفق خطوات دقيقة وصارمة تجعل من الصعب على المحقق أن يتمادى في استخدام هذا الحق أو يتساهل في إنجاز التحقيق في أقصر مدة ممكنة. وفي كل الأحول نجد أن المادة الرابعة عشرة بعد المائة من نظام الإجراءات الجنائية السعودي تنص على ألاّ يزيد مجموع مدد التوقيف على ستة أشهر من تاريخ القبض على المتهم، يتعين بعدها مباشرة إحالة المتهم إلى المحكمة أو الإفراج عنه.   
ثالثا- المحاكمة:
لاشك أن العدل من أكثر حقوق الإنسان التصاقا به ومن أكثرها حاجة للحماية، ومن العدل أن يُعترف للإنسان ببراءته حتى يثبت العكس، وليس هناك خلاف بين فقهاء الإسلام على أن البراءة هي الأصل في المتهم، ولا خلاف بينهم في أن سند هذا الأصل هو استصحاب الحال، وأن اليقين لا يزول إلا بيقين مثله، ومن اليقين أن الإنسان يولد على الفطرة بريئا ومن حقه أن يستصحب هذه الحال وأن تظل ملازمة لـه حتى ينهض الدليل على تغيير هذه الحال، والحنابلة يأخذون بالاستصحاب كدليل تستند إليه الأحكام الشرعية كما جاء في أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية، وكما جاء في قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام بأن الأصل براءة الذمة من الحقوق وبراءة الجسد من القصاص والحدود والتعزير.
لهذا فإن القضاة، وبخاصة في المجتمع المسلم، أمام مهمة عظيمة، تتطلب منهم عدم الأخذ باعترافات المتهم لوحدها بل لا بد أن يحتوي ملف القضية على أدلة قاطعة، ربما تكفي لوحدها لإدانة المتهم، وتتطلب منهم التأكد من أن القضايا الجنائية المعروضة عليهم قد خلت تماما من كل أشكال القبض والتوقيف التعسفي، وأن اعتراف المتهم لم ينتزع منه بوسائل غير مشروعة، وأنه ليس اعترافا قصد به حماية مجرم حقيقي آخر، وأنه ليس اعترافا قَصَدَ به المتهم دفع الأذى عن نفسه.
وهناك طرق كثيرة يمكن للقاضي أن يتأكد بها من أن الاعتراف هو عين الحقيقة، وأن الأدلة المعروضة أمامه هي أفضل ما يمكن تقديمه حسب نوع القضية المنظورة، ومن هذه الطرق أن يكون المحقق قد بذل جهدا واضحا تشهد به محتويات ملف القضية، وأن يكون قد استعان بالخبرات العلمية المناسبة مثل التحاليل المتقدمة لما هو منسوب إلى المتهم من موجودات مسرح الجريمة، وكذلك مواجهة المتهم بغيره من المتهمين أو الشهود.
ومن مؤشرات الإجراءات الجنائية العصرية، وعلامات الحرص على العدل والأمانة لدى الجهات المشرفة على التحقيق، أن ينجز أصحاب التخصص النفسي والاجتماعي والطبي إعداد ملف لشخصية المتهم إلى جانب الملف الجنائي للقضية يشتمل على تقرير واقعي ونزيه يوضح فيه كل شيء عن شخصية المتهم وما ظهر من الأسباب أو العوامل التي دفعته إلى السلوك الإجرامي، ومن دلائل الوعي والنزاهة والدقة القضائية إن ينظر القاضي الذي يتولى تكييف الواقعة والحكم فيها إلى ملف الشخصية هذا جنبا إلى جنب مع الملف الجنائي حتى يُكوِّن مفهوما صحيحا عن شخصية المتهم في جميع مراحله العمرية من خلال معرفة تنشئته الأسرية والتربوية والمعيشية، وطبيعة تنشئته الاجتماعية، وظروفه الصحية جسميا ونفسيا وعقليا، لكي ينجح في اختيار الطرق العلاجية المناسبة لتعديل سلوك هذا الجاني، وبغير ذلك فان الدواء الذي يصفه القاضي والمتمثل في العقوبة قد يزيد الداء ويضاعف الآثار والأعراض الجانبية للعلة والدواء على حد سواء.
وفي الغالب(19) تسفر المحاكمة عن التبرئة، أو تسفر عن الإدانة ومن ثم الحكم بعقوبة ما، وفي كلتا الحالتين لا بد أن يوازن القاضي بين مصلحة المتهم ومصلحة المجتمع، ولما لم يكن القاضي خصما أو منتقما فإن تفعيله لمبدأ الصلح وكذلك اللجوء إلى بدائل العقوبات ما أمكنه إلى ذلك سبيلا دليل وعي ونزاهة ومساهمة فعالة في الوقاية من وصمة الإجرام والوقاية من الجريمة بصورة عامة.
وإذا لم يكن من العقوبة بد فمن المهم أن يدرك القاضي أن العقوبة علاج وليست انتقام، وأن هذا العلاج سيسهم في رفع معدلات الجريمة إذا لم يكن صحيحا مثله مثل العلاج الذي يضاعف أعراض المرض إذا كان خاطئا من حيث النوع ومن حيث المقدار ومن حيث طريقة التقديم، فالقاضي الذي يحكم بالسجن لمدة طويلة دون حاجة إلى ذلك ودون أن يتضمن الحكم وصف المعاملة العقابية الإصلاحية، فإنه لا يساهم في العلاج والوقاية من الجريمة إلا بقدر ما يمنع المتهم من اقتراف جريمة أخرى طوال مدة سجنه، وهذا إجراء مؤقت وليس جذريا، وضرره أكثر من نفعه فقد يتعلم المحكوم عليه بالسجن صنوفا من الإجرام خلال هذه المدة داخل السجن، وقد تتضاعف لديه مشاعر الكره والنقمة على المجتمع، وقد تكون مدة السجن هذه سببا في وصمه بالإجرام طوال حياته، وكل ذلك من العوامل الرئيسة المؤدية إلى ازدياد معدلات جرائم العود.
وللمحامي عظيم الدور في سير العدالة، فبالقدر الذي يسعى فيه إلى تبرئة موكله عليه أن يتذكر أن الانتقام وارد إذا تمت هذه التبرئة وهو مذنب، فالضحية لـه الحق في معاقبة الجاني، لكن هذا الحق لا يعني انصياع القاضي إلى رغبة الضحية في تشديد العقوبة دون مبرر، كما أن الضحية قد يكون له دور في حدوث الفعل الإجرامي، وعلى المحامي هنا أن يعمل كل ما في وسعه لتبرئة المتهم إن كان بريئا بالفعل، وأن يعمل على شرح الظروف والملابسات المحيطة بموكله قبل حدوث الفعل وفي أثنائه وبعده إن كان مذنبا، وهذه مثالية يشك الباحث أن تتحقق في كل المواقف، فمن المعروف أن المحامي يطلب الحكم ببراءة موكله في كل الأحوال، وقد كفلت المادة الرابعة من نظام الإجراءات الجزائية السعودي حق المتهم في الاستعانة بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة.   
ومهما كان قرار القاضي فإن الحقوق الإنسانية للمتهم يجب ألا تنتهك أو تضيع، لأن العدل في المجتمع لا يتحقق عن طريق ظلم بريء أو إساءة معاملة مذنب وانتهاك حقوقه، لهذا نصت المادة السادسة والعشرون من النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على أن الدولة تحمي حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية.
رابعا- الاعتراض (الطعن أو الاستئناف) على الحكم:
تكفل كافة الشرائع حق المحكوم عليه في الطعن أو الاعتراض على الحكم من عدة نواح، ومن ثم طلب الاستئناف أمام المحكمة العليا أو هيئة التمييز، وأمام المحكمة الدستورية أو المجلس الأعلى للقضاء، ويمكن القول أن من المبررات الواضحة لهذا الطعن أن يكون القاضي قد حكم في القضية مع وجود مانع أو أكثر يمنعه من النظر فيها أو موانع نظر المحكمة نفسها للقضية، ومن المبررات أيضا حدوث خطء ترتب عليه انتهاك الإجراءات النظامية المنظمة للدعوى، أو شعور المحكوم عليه بالحيف والظلم، أو حتى مجرد رغبته في الطعن سعيا وراء تخفيف الحكم إذا كانت درجة الحكم مما يجوز الاعتراض عليه، ومن حق المحكوم عليه أو وكيله أن يحصل على صك الحكم وأن يعطى المدة النظامية الكافية لإعداد الطعن وتقديمه للمحكمة، وقد نصت المادة الثامنة والسبعون بعد المائة من نظام المرافعات القضائية السعودي على تحديد هذه المدة بثلاثين يوما.


1)  نسبة إلى القرون الوسطى في التخلف الفكري والعلمي.
(2)  يأتي اهتمام هذه الدراسة بالمحاكم كاهتمام علم الاجتماع القضائي بها أي أن هذا الاهتمام  منصب على القضاء الجنائي.
(3)   تعد هذه النظرية من أهم مداخل علم الاجتماعي، وهي تبرز الكيفية التي يدرك بها الفاعلون الاجتماعيون موقفا اجتماعيا ما، والغايات التي يختارونها ويجهدون لتحقيقها في هذا الموقف، والوسائل التي يتبعونها لتحقيق هذه الغايات ضمن توجه واع وفعل هادف. ومن هنا يرى (فيبر) أنه إذا ما أردنا تفسير فعل اجتماعي ما فلا بد من تفسيره من جهة المعنى المقصود لا من جهة الآثار= = الفعلية، وهاتان جهتان متعارضتان في الغالب،  فالمعنى المقصود هو تفسير سببي للفعل الاجتماعي وعلى هذا تكون النهاية المنظورة هي علة الأفعال الاجتماعية. ولمزيد من الاطلاع على حياة (ماكس فيبر) وأعماله بما فيها هذه النظرية، أنظر: (مان، ميشيل. مرجع سابق، ص ص 40-42 ، و ص ص  758-761).    
(4)  سورة النساء، الآية رقم (105).
(5)  سورة المائدة، الآية رقم (42).
(6)  سورة المائدة ، الآية رقم (49).
(7)  أنظر صحيح مسلم. دار الكتب العلمية، 1992م، ج12، ص5، 
(8)  كان نص ذلك الكتاب على النحو الآتي: "أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك بحجة، وأنفذ الحق إذا وضح فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وآس بين الناس في وجهك، ومجلسك، وعدلك، حتى لا ييأس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلح أحل حراما أو حرم حلالا، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب أو الســـنة، اعرف الأمثال والأشياء، ثم قس الأمور عند ذلك، فاعمد إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى، واجعل لمن ادعى بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذ بحقه، وإلا وجهت القضاء عليه، فإن ذلك أجلى للعمى، وأبلغ في العذر، المسلمون عدول= = بعضهم على بعض، إلا مجلود في حد أو مجرب في شهادة زور أو ظنين في ولاء أو قرابة، إن الله تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم بالبينات، وإياك والقلق والضجر والتأذي بالناس، والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر، ويحسن بها الذخر، فإنه من يصلح نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله، فما ضنك بثواب عند الله عز وجل في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام عليكم". أنظر في ذلك (ســـنن الدارقطني، ج4، ص ص 206-207)، وأنظر كذلك: (المرزوقي، محمد بن عبدالله، 2004م، ص ص 73-74).
(9)  سورة البقرة، الآية رقم (188).
(10)  المصالح المرسلة هي المنافع المجلوبة بناء على روح الشريعة ومقاصدها دون أن يشهد لها دليل من الشارع بالاعتبار أو الإلغاء، ولمزيد من الاطلاع، أنظر: (بوساق، محمد بن المدني، 2002م، ص 87).
(11) تقول إحدى القواعد الفقيهة الإسلامية:"درء المفاسد أولى من جلب المصالح" والذريعة هي الوسيلة إلى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة، وقيل هي الوسيلة والطريق إلى الشيء، ولمزيد من الاطلاع، أنظر أيضا: (بوساق، محمد بن المدني، 2002م، ص ص 89-  111).
(12)  على خلاف ما يثور من شك عند معاقبة الجاني على فعل واحد بعقوبة السجن وعقوبة الجلد في آن معا بأنها من قبيل العقوبة على فعل واحد مرتين.
(13) أنظر ص ص "221- 225" من هذه الدراسة.
(14) لمزيد من الاطلاع على مثال واضح لهذه الخبرات والتجارب والمتمثل في اعتراف أربعة متهمين سعوديين في أحدى المناطق بجريمة قتل تبين فيما بعد أنهم بريئون منها وأن اعترافاتهم كانت بقصد التخلص من ضغوط التحقيق، أنظر: صحيفة الوطن السعودية، العدد رقم (1884) وتاريخ 26 نوفمبر 2005م.  
(15) أنظر: سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن عيس بن سورة، رضي الله عنه. بيروت:دار إحياء التراث العربي،2000م، ص411.
(16) أنظر: الموطأ للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه. بيروت: دار ابن حزم، ط3، 1996م، ص720.
(17) سورة الحجرات، الآية رقم (12).
(18) أنظر: صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج رضي الله عنه. بيروت: دار الكتب العلمية، 1992م، ص102.
(19)  كان من المفترض أن يتم استخدام تعبير (ومن المؤكد أن المحاكمة ستسفر عن التبرئة أو الإدانة) بدلا من تعبير (في الغالب) إلا أن هناك أحكاما قضائية تصدر خلاف ذلك لا تبرئ المتهم ولا تدينه، وإنما يحكم القاضي فيها بعقوبة تعزيرية على التهمة فقط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق