الجمعة، 6 مايو 2011

تغير فلسفة العقاب:

لقد بات من المسلم به أن الفلسفة السائدة في كل عصر من العصور عن الجريمة هي الأساس الذي تقوم عليه العقوبة، من حيث نوعها، ومقدارها، وأهدافها، وفلسفتها بشكل عام، ومن يراجع مسيرة تطور العقوبة في مختلف العصور فسيجد أنها كانت محكومة بثقافة المجتمع وما تحويه هذه الثقافة من فهم صحيح لخصائص الفرد وعوامل الجريمة، هذا، على الرغم من وجود عدد من النظريات المفسرة لأسباب التغير في العقوبة، أو رد فعل المجتمع تجاه الجريمة، ومن تلك النظريات:
أولا- نظرية الضحية أو كبش الفداء (Scapegoat):
وقد انبثقت هذه النظرية عن مدرسة التحليل النفسي، وهي تفسر العقوبة برغبة المجتمع في التعبير عن غريزة العدوان كدافع فطري لدى كل فرد، وهي غريزة عبر عنها المجرم نفسه باقترافه للجريمة. أما قسوة العقوبة فتفسرها هذه النظرية تبعا لشدة التجريم الجنسي، فالمجتمعات التي تجرم الممارسات الجنسية بكثرة وشدة تكون العقوبات فيها قاسية وعلنية، أما المجتمعات التي يكون التجريم الجنسي فيها في عدد قليل من الأفعال فتكون العقوبة فيها معتدلة وخفيفة.
ثانيا- نظريات البناء الاجتماعي:
1-          النظرية السوسيو اقتصادية: وترى هذه النظرية أن سوق العمل (Labor market) هو الذي يحدد رد الفعل الاجتماعي إزاء الجريمة، فتكون العقوبة قاسية عندما تتوفر اليد العاملة، ويتدنى الأجر الذي يتقاضاه العامل، وتتجه العقوبة إلى الاعتدال عندما تشح اليد العاملة إلى حد أنه يمكن أن يحكم على الجناة بالعمل بدلا من العقوبات البدنية القاسية.
2-          نظرية البناء الطبقي: وترى هذه النظرية أن مشاركة الطبقة الوسطى وما دونها في عملية الضبط الاجتماعي (Formal Social control) يجعل العقوبة قاسية بسبب إخفاق هذه الطبقة في ضبط النفس.
3-          نظرية تقسيم العمل- وقد بنيت هذه النظرية على النظرية العامة في التضامن الاجتماعي (Social solidarity) فالمجتمع ينتقل من مرحلة التضامن الآلي (Mechanical solidarity) إلى مرحلة التضامن العضوي (organic solidarity) القائم على تقسيم العمل، فعندما يكون تضامن المجتمع قائما على الآلية والتماثل فإن رد الفعل فيه يكون متخلفا ويتمثل في الانتقام من الجاني، أما المجتمع المتطور ذو التضامن العضوي فإنه يغلب جانب التساند أو التبادل الاجتماعي (social interconnection) فيكون رد الفعل فيه إزاء الجاني منصبا على المحاولة في استعادة التوازن واستعادة الجاني إلى وسط المجتمع عضوا مستقيما من خلال تطبيق قواعد النظام (القانون) في عمومية وحيادية وموضوعية.
4-          نظرية التنظيم الاجتماعي: وتقوم هذه النظرية على أن العقوبة تكون معتدلة في المجتمعات التي تتسم بالتجانس، في حين تكون قاسية في المجتمعات غير المتجانسة بسبب قيام جزء من الجماعة قوي بتطبيق العقوبة القاسية على الجزء الآخر الضعيف.
ولما كان من المؤكد أن هذه النظريات على تعددها لم تنشأ من غير بواعث، ولم تتبلور في فراغ، بل هي مرتبطة بثقافة المجتمع، وهذا يعني أنها مكون من مكوناته الثقافية، فإن هذا الأمر يجعلني أغلب جانب النظرية الثقافية، فالبناء الثقافي (Cultural structure) وأساليب التفكير والمعتقدات هي التي تُقَيِّم السلوك وهي التي تحدد مضمون رد فعل المجتمع تجاه أي سلوك، ومن هنا فإن التغير في تفسير العقوبة من حيث المضمون والهدف ارتبط داخل المجتمعات بالتغيرات الثقافية ومن ضمن تلك التغيرات شكل السلطة وطبيعتها ومدى التزامها بشروط العقد الاجتماعي، والتقدم العلمي وبخاصة في مجال تفسير السلوك الإجرامي، وتنامي عوامل الجريمة واتجاهها للتعقيد.
ثالثا- نظرية المتغيرات الثقافية:
إن البناء الثقافي (Cultural structure) وأساليب التفكير والمعتقدات والتطور العلمي في المجردات والماديات هي التي تُقَيِّم السلوك وهي التي تحدد مضمون رد فعل المجتمع تجاه أي سلوك، ومن هنا فإن التغير في تفسير العقوبة من حيث المضمون والهدف ارتبط داخل المجتمعات بالتغيرات الثقافية ومن ضمن تلك التغيرات شكل السلطة وطبيعتها ومدى التزامها بشروط العقد الاجتماعي، والتقدم العلمي وبخاصة في مجال تفسير السلوك الإجرامي، وتنامي عوامل الجريمة واتجاهها للتعقيد.

نظرية العقد الاجتماعي:

جاءت نظرية العقد الاجتماعي(Social Contract)  لتفسير نشأة المجتمع، والسلطة والحق في العقاب (العقوبة)، وتحديد المعايير التي تقوم عليها العلاقة بين السلطة وأفراد المجتمع.(1)
بدأ الفلاسفة والعلماء تنظيرهم بالوحدة الأصغر متسائلين عما إذا كان الفرد أسبق في وجوده من المجتمع، وقد انقسموا في إجابتهم على هذا التساؤل إلى اتجاهين مختلفين يمكن تسمية الأول منهما بالاتجاه (الفردي) والآخر بالاتجاه (المجتمعي).
يرى أصحاب الاتجاه الفردي أن الفرد سابق في وجوده على المجتمع، وأن الأفراد كانوا منعزلين عن بعضهم البعض، فكل فرد يعيش حياة طبيعية وحرية مطلقة ويعتمد في غذائه على ما يجمعه بنفسه من ثمار، وكان الطابع المميز للحياة في تلك الحقبة أنها فوضوية متوحشة، قوامها الخوف والاقتتال المستمر بين الأفراد، فليس هناك معنى للحق أو الباطل، ولا العدل أو الظلم، ومن أجل هذا كان كل فرد متحفزا للاعتداء على من حوله، واستمرت الحياة تجري على هذا النحو حتى وصل الإنسان إلى درجة من الوعي أتاحت له الانتقال إلى مجتمع ذي شكل من أشكال التنظيم سمي بالعقد الاجتماعي (Social Contract) والذي بموجبه نشأة السلطة وبنشوء السلطة نشأ كل من العقوبة والحق في العقاب. ويتزعم هذا الاتجاه فلاسفة العقد الاجتماعي الثلاثة: الفيلسوفان الإنجليزيان توماس هوبز (T.Hobbes,1588-1679) وجون لوك (J. Locke, 1632-1704) والفيلسوف السويسري جان جاك روسو (J. J. Rousseau, 1712-1778).
أما أصحاب الاتجاه المجتمعي فيرون أن المجتمع سابق في وجوده على الفرد ولا صحة لوجود مرحلة سبقت قيام الحياة الاجتماعية المنظمة عاش الأفراد خلالها منعزلين عن بعضهم البعض، فالإنسان لا يمكنه أن يعيش بمفرده، نظرا لما تحتاجه ضرورات الحياة من جهود مشتركة، هذا فضلا عن كونه كائنا اجتماعيا بطبعه كما يقول الفيلسوف الإغريقي أرسطو (Aristotle) وعلى هذا فالإنسان بدأ حياته في مجتمع منظم من خلال العقل الجمعي، وقد أخذ بهذا القول رواد الاتجاه البنائي الوظيفي(2)، ويأتي في مقدمة الفلاسفة والعلماء الذين مالوا إلى هذا الاتجاه كل من (الفارابي)(3) و(ابن خلدون)(4) و(أفلاطون)(5) وبكاريا، وفيلفريدو باريتو، وإميل دوركايم، وأوجست كونت، وتالكوت بارسونز، وروبرت ميرتون، ومال إليه أيضا العالمان الإنجليزيان راد كليف براون، ومالينوفسكي، وهما في الأصل من علماء الأنثروبولوجيا.(6)
تعد نظرية العقد الاجتماعي من أقدم الأفكار السياسية والقانونية التي عرفها الإنسان لكونها تعالج ظواهر موغلة في القدم، والباحث وإن كان لن يحاول تقصي البدايات الأولى وتتبع مسار وتطور نظرية العقد الاجتماعي بالتفصيل فإنه – من الإنصاف – أن يشير إلى أن فكرتها موجودة في فلسفة بوذا (Buddha, 566-486 B.C) (7) في القرن السادس قبل الميلاد، ووجدت كذلك لدى بعض الفلاسفة فيما بعد حين تصوروا أن المجتمع ما هو إلا اتحاد بين الأفراد أقاموه لتحقيق غايات مستقبلية، وتبلور هذا التصور بوضوح عند أفلاطون (Plato, 427-347 B. C.) وأرسطو (Aristotle, 384-322 B. C.) كما وجدت فكرة العقد الاجتماعي فيما يسمى بالعهد القديم من التوراة ثم في الديانة النصرانية بعد ذلك. ولا شك أن الفكرة في جوهرها تضرب بجذورها في مراحل أسبق من هذه بكثير فهي ضرورة لقيام أي شكل من أشكال الحياة الاجتماعية.
ومن أكثر الأفكار القديمة وضوحا حول نظرية العقد الاجتماعي أفكار الفيلسوف والمفكر أوغستين (Augustin, 354-435) والتي وردت في كتابه "مدينة الله" حيث تعرض لظهور الحضارة الإنسانية وأوضح معالمها وأشكالها، وانتهى إلى أن البشر يتمتعون بالحرية الطبيعية أو "القانون الطبيعي" (Natural Law) وبالإضافة إلى هذا الحق الطبيعي نجده يؤكد على شرعية السلطة السياسية، وأهمية السمو بالعقيدة الدينية، وزيادة الروابط الاجتماعية، وهو في كل هذا ينظر إلى المجتمع لا بوصفه حشدا من البشر، بل إنه تجمع هادف يقوم على فكرة الاتحاد في العواطف والمعتقد والوحدة المعنوية.(8)      
ووفق رؤية هذه النظرية فإن العقد الاجتماعي يتضمن شروطا معينة، وفي نظر جون لوك وجان جاك روسو أن أي مخالفة من قبل السلطة لشروط العقد تعد مبررا لفسخ التعاقد، وينظر إلى هذا التسويغ لفسخ العقد على أنه السبب في ازدهار نظرية العقد الاجتماعي بالتزامن مع أفول العصور الوسطى، تلك العصور التي ساد فيها طغيان (السلطة القروسطية)(9)، وتحولت فيها كل الشروط المتعاقد عليها لتصب في مصلحة السلطة وضد أفراد المجتمع. وتتصدر هذا الازدهار جهود كل من الفلاسفة الثلاثة: توماس هوبز (Thomas Hobbes) وجون لوك (John Locke  ) وجان جاك رسو (J. J. Rousseau).(10)
ركز توماس هوبز (T.Hobbes,1588-1679) في فلسفته على تصور مؤداه أن الإنسان عاش مرحلته البدائية الأولى في حياة فطرية قوامها الانعزال والفوضى والخوف المستمر، فالبشر فيها أشبه بوحوش ضارية يقتل بعضهم بعضا في حرية مطلقة. وإلى جانب هذا التصور يعتقد هوبز أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وشرير وأناني بطبعه، وليس اجتماعيا كما يرى أرسطو، فالإنسان بدافع من هذه الطبيعة الشريرة والأنانية سعى إلى تحقيق مصالح أكبر من تلك التي تحققها له حياته البدائية، فابتكر العقد الاجتماعي وأقامه على أساس من الأثرة وحب الذات، فهذا العقد ما هو إلا تنازل نهائي عن كامل حريته في سبيل الحصول على خير أكبر يتمثل في تكوين مجتمع منظم بسلطة توفر له الحماية، وطالما أن الأفراد قد قدموا هذا التنازل بمحض إرادتهم ودخلوا في التبعية بمقتضاه مقابل ثمن قبضوه بالفعل فلا بد من قسرهم بالقوة والقسوة على الالتزام بشروط هذا العقد من خلال سلطة لها مطلق الحرية في التشريع والقضاء والتنفيذ، واتخاذ الإجراءات في مختلف شؤون الحياة دون رقابة أو محاسبة من أحد(11).
أما جون لوك (J. Locke, 1632-1704) فعلى الرغم من اتفاقه مع هوبز في الجزئية المتعلقة بحياة الفطرة التي عاشها الأفراد في المرحلة البدائية، فإنه يرفض القول بأنها كانت حياة متوحشة وفوضوية إلى الحد الذي يصورها به هوبز، فهي - وإن كانت حياة خالية من النظم الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات فيما بعد - فإنها من غير المعقول أن تكون خالية من أي نظام على الإطلاق، لأن الفرد يحصل على بعض الحقوق بمجرد ولادته دون أن ينتظر من المجتمع أن يهبه إياها(الحقوق الطبيعية (Natural Rights)(12)، وهي حقوق محروسة بالقانون الطبيعي (Natural Law) الذي جعل الأفراد أحرارا ومتساوين في هذه الحقوق، لكن سنة التغير أفرزت تفاعلات اجتماعية معقدة جعلت من الصعب استمرار الاحتكام إلى القانون الطبيعي دون تحيز وحيف من القوي في مواجهة الضعيف، لذلك ظهرت الحاجة إلى سلطة تكفل العدل وتنظم الحريات وتصونها، الأمر الذي دفع بالأفراد إلى التعاقد مع شخص أو عدة أشخاص تتألف منهم السلطة ويمثلون المجتمع كله، ويلتزم الأفراد بالطاعة لهذه السلطة طالما احترمت شروط العقد.
وفي عهد الفيلسوف السويسري جاك روسو (J. J. Rousseau, 1712-1778) وصلت نظرية العقد الاجتماعي إلى أوج مجدها من خلال كتابه "العقد الاجتماعي" (Le Contract Social) (13) وقد استندت فلسفة رسو على ما يبدو أنه قناعة متأصلة في فكره مؤداها أن الإنسان في المرحلة البدائية كان أسعد حالا منه في العصور التالية؛ لأنه كان يعيش حياة طبيعية وحرية مطلقة تمثل عصرا ذهبيا في تاريخ وجوده (Golden Age) لكن التغير الاجتماعي أفسدها حين قضى على الحرية وغيَّر طبائع الأفراد، وأقام الفوارق بينهم ليحطم التساوي الطبيعي الذي نعم به الإنسان في المجتمع الأول. وعلى الرغم من سلبيات التغير هذه فإن الإنسان قد أقام من خلال التغير حضارة لا يمكنه التخلي عنها والعودة إلى حياته البدائية، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع الاستمرار في المعاناة من المشكلات والانحرافات التي أفرزها التطور.
يرى روسو أن التعارض بين حنين الإنسان إلى عصره الذهبي وبين رغبته في الاحتفاظ بما حققه من تطور قد خلق له مشكلة كبيرة وضعته أمام اختيارين: إما التخلي عن حضارته والعودة إلى عصره الذهبي، وإما الاستمرار في المعاناة من سلبيات التغير، وفي غمرت التفكير والحيرة اهتدى الأفراد إلى أن الاختيار الصائب هو الاحتفاظ بما حققوه من تطور، وإصلاح ما تعج به حياتهم من مشكلات وانحرافات من خلال التعاقد على تنظيم حياتهم بمقتضى ميثاق اجتماعي يتنازل فيه كل فرد عن جزء من حريته لقوة مجتمعية تكون وظيفتها تحقيق العدل وحماية مصالح المتعاقدين وإعادة التساوي بينهم، فكان العقد الاجتماعي. وبهذا العقد ظهرت السلطة وشرعيتها ومبررات استخدامها للقوة كي تحقق الأهداف المنوطة بها(14) ولا بد من مشاركة أفراد المجتمع في هذه السلطة ضمانا لتماسك البناء الاجتماعي واستمرار العقد وسلامته وحتى تكون الإرادة والسيادة والسلطة للأمة كلها(15).
من الواضح أنه على الرغم من انتساب توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو إلى نظرية واحدة "العقد الاجماعي" فإنهم ليسوا متفقين تمام الاتفاق في رؤاهم وأفكارهم، فهم على سبيل المثال متفقون على أن الفرد سابق في وجوده على المجتمع، ومتفقون كذلك على وجود مرحلة عاشها الإنسان قبل قيام الحياة الاجتماعية المنظمة، وعلى أن العقد الاجتماعي نشأ بمحض إرادة الأفراد. لكنهم مختلفون حول طبيعة الإنسان وطبيعة العلاقة بين السلطة وأفراد المجتمع، فتوماس هوبز يرى أن الاستبداد والقسوة شرطان لا بد من توفرهما في السلطة كي تستطيع أداء وظيفتها؛ لأن الإنسان مجبول على الشر والأنانية. بينما يرى جون لوك وجان جاك روسو أن الفرد خير في الأساس، وليس شريرا أو ذئبا لأخيه الإنسان، وأنه لم يتنازل عن كامل حريته بل عن جزء منها فوض فيه السلطة نظير خدمات توفرها له، وإذا لم توفرها على أكمل وجه فمن حقه أن يلغي ذلك التفويض. ويريان أيضا أن نجاح السلطة يتحقق بالمشاركة المجتمعية فيها، وأن العدل والمساواة شرطان أساسيان لشرعيتها، وأن المجتمع هو صاحب الحق في اختيار السلطة وبالتالي فإن الإرادة إرادته. 
وعلى الرغم من هذا البريق لنظرية العقد الاجتماعي فإن بعض العلماء يرون أنها قامت على افتراضات خاطئة لا تتفق مع طبيعة الحقائق الاجتماعية، لأن الاجتماع الإنساني وما ينطوي عليه من نظم سياسية واقتصادية ودينية وأخلاقية لا يمكن أن يكون نتيجة عقد إرادي، بل إن هذا العقد نشأ تلقائيا منذ نشأة الحياة الإنسانية، وقطع منذ فجر الإنسانية تاريخا شاقا يتمثل في التراث الاجتماعي والقواعد والنظم التي توارثها بنو البشر.
والباحث بدوره يرى أن نظرية العقد الاجتماعي لا تخلو من بعض الثغرات غير أن الباحث لن يذهب في نقده لها إلى حد القول بأن كل الافتراضات التي قامت عليها كانت افتراضات خاطئة، بل سيقتصر على النقد الذي لا يقصد التقليل من شأنها ودورها في استثارة العلماء والباحثين والدفع بهم إلى مزيد من الإنتاج العلمي، وسيكتفي الباحث في الوقت نفسه من النقد بما يعتقد أنه مناسبا حسب اهتمام الدراسة، وذلك على النحو الآتي:
أولا- فيما يتعلق بأيهما أسبق في الوجود الفرد أم المجمع تبين أن نظرية العقد الاجتماعي تأخذ بالاتجاه الفردي (أسبقية الفرد في الوجود)  وترفض الاتجاه المجتمعي (أسبقية المجتمع في الوجود) البتة. ويعتقد الباحث أن كلا من الاتجاهين يحتاج إلى شيء من المراجعة، فالاتجاه الفردي يغفل حقيقة أن الإنجاب هو الوسيلة الوحيدة لبقاء النوع البشري، ومعلوم أن الإنجاب يتحقق بممارسة العملية الجنسية بين الذكر والأنثى، ويحتاج المولود البشري إلى فترة حضانة ورعاية طويلة. ولا بد أن كل ذلك قد عمل على تكوين الأسرة النووية، وفي الغالب عملت هذه الرعاية على تكوين مودة وعلاقة حسنة بين الأبوين وأبنائهما استمرت حتى بعد استقلال الأبناء وظهور الأحفاد، ومن هنا تشكلت الأسرة الممتدة.
أما الاتجاه المجتمعي فيغفل حقيقة أنه لو كان الإنسان قد بدأ حياته في تلك الحقبة الموغلة في القدم بالتنظيم الاجتماعي لما كانت انتهت العصور القديمة إلا وقد وصل إلى مستوى من التنظيم متطور بما يكفي لوقاية البشرية من الكوارث التنظيمية التي تعرضت لها وبخاصة في العصور الوسطى.
يضاف إلى كل ذلك افتقار هذين الاتجاهين إلى أي سند تاريخي مقنع أو دعم عقلي ومنطقي كاف للحكم بصحة أي منهما. ومن هنا تصبح صياغة اتجاه ثالث توفيقي أمرا مهما جدا للتنظير في هذا المجال؛ فنأخذ من الاتجاه الأول مفهوم الحياة الطبيعية وطابع الخوف والتهديد المستمر لحياة الأفراد من قبل بعضهم البعض ونترك القول بحياة التفرد والانعزال التام بين الأفراد. ونأخذ من الاتجاه الثاني مفهوم أن المجتمع أسبق في وجوده من الفرد ونترك القول بأن البشر عاشوا منذ البداية في مجتمع منظم وفق عقد اجتماعي،  ليصبح الاتجاه الثالث على النحو الآتي:
[عاش الإنسان مرحلة من حياته في مستعمرات بشرية، تمثل كل مستعمرة مجتمعا شكليا قبل قيام الحياة الاجتماعية المنظمة(16)، فالعلاقة بين الأفراد في تلك المرحلة تقوم على الغرائز الفطرية بالدرجة الأولى، مع وجود علاقات مصلحية قليلة جدا مثل تبادل أنواع من الغذاء والاشتراك في دفع خطر داهم كأساس أو خطوة أولى لبدء التفاعل بين الأفراد، وشيئا فشيئا حتى أدرك الأفراد أهمية التعاون وأصبح كل فرد يشعر بالانتماء إلى واحد من هذه المجتمعات الشكلية. واستمرت وتيرة هذا الانتماء في التصاعد وازدادت العلاقات بين الأفراد تعقيدا، وتراكمت خبرات الإنسان وتجاربه مع نفسه ومع كل شيء من حوله، الأمر الذي أدى إلى نمو حصيلته المعرفية، وبسبب هذا النمو المعرفي بدأت المجتمعات الشكلية تتمايز حتى ظهرت السلطة إيذانا ببدء الإنسان حياة جديدة في مجتمع منظم تنظيما ظل يتطور بما يتفق مع درجة الوعي السياسي والاجتماعي والحصيلة المعرفية المتراكمة لدى أفراد كل مجتمع من المجتمعات حتى اليوم]. 
ثانيا- يتمسك الفلاسفة بفكرة النشأة الإرادية للعقد الاجتماعي بقرار من الأفراد، وبالتالي تكون السلطة قد نشأت بمحض إرادتهم أيضا. وهذا التصور لا يتسق مع الوقائع التاريخية التي تدل بوضوح على أن تدخل إرادة الأفراد في إنشاء السلطة استثناء نادر الوقوع في أغلب المجتمعات على مر التاريخ، أما القاعدة فهي أن السلطة كانت تنشأ رغم إرادة الأفراد وبعض هذه السلطات تحكمهم الأفراد بالقسوة والطغيان والاستبداد، ولم تُكسر هذه القاعدة في المجتمعات الأوربية بخاصة إلا بعد الثورة الفرنسية. لذلك فإن الباحث يعتقد أن أول سلطة عرفها الإنسان قد نشأت قسرا وسلبت حقوق الأفراد وحرياتهم، واستعبدتهم وسخرتهم لتحيق أغراضها بالدرجة الأولى، وفي الغالب كان يهيمن على السلطة شخص واحد اعتمد على بطش القوة الفيزيقية لتثبيت سلطته. ومن يراجع كفاح المجتمعات عبر كل الأزمنة يجد أن الأفراد كانوا يكافحون ضد سلطة طاغية بهدف استرداد حقوقهم وحرياتهم المسلوبة، وأن الطغاة يستخدمون التعذيب البدني لقمع الأفراد وإرهابهم. وما بعث الله تعالى الأنبياء والرسل إلا لهداية الناس إلى عبادته وحده، ورفع الظلم عنهم، ومساعدتهم على تنظيم شؤون حياتهم بالعدل والمساواة، لكن الطغاة لم يتورعوا عن طغيانهم، بل لقد أصبح التعذيب البدني في كثير من الأحيان مجالا حيويا يُعرِّف الطاغية بنفسه من خلاله، ويستمد منه مقومات بقائه، حتى أن الأديان وظفت في أحيان كثيرة بشكل يظهر السلطة الطاغية وكأنها تنفذ تعاليم رب العباد حين تنزل العقوبات التعذيبية بأفراد المجتمع، ومن يحلل طبيعة الحياة التي كانت سائدة في المجتمعات الغربية إبان العصور الوسطى خاصة يجد على ذلك أوضح الأدلة وأصدقها، كما أن من يراجع ويحلل أهم الأحداث التي شهدتها حياة الشعوب في كل الأزمنة وفي كل بقاع الأرض فسيجد أن العقوبات التعذيبية مرتبطة في نشأتها وبقائها بسلطة طاغية لا يمكن أن تكون قد نشأت على ذلك الحال إلا قسرا، إذ من المسلم به أن الفرد لن ينشئ سلطة تعذبه(17).
وبالإضافة إلى هذا نجد أن القول بالنشأة الإرادية للعقد الاجتماعي يقوم على افتراض أن الإنسان في تلك الحقبة الموغلة في القدم التي ظهرت فيها أولى السلطات كان على درجة عالية من الوعي السياسي والاجتماعي والمعرفي، وهو ما لا يمكن التسليم به بأي وجه من الوجوه فضلا عن افتقار نظرية العقد الاجتماعي برمتها إلى أي سند تاريخي كما يرى عدد من العلماء ومنهم بنثام (Bentham) وهيوم (Hume) وبيرك (Burke) وأوستن (Austein) ومين (Main) وتوماس قرين (Green) إذ من الواضح أن العقد الاجتماعي قد تكون بصورة تدريجية وبطيئة جدا.
ثالثا- من الواضح أن الظروف الاجتماعية التي عاشها توماس هوبز وجون لوك وروسو قد تدخلت في تنظيرهم كثيرا فجاء مثقلا بالأهواء الذاتية ووجهات النظر الخاصة والتي كان يمكن قبولها لو أنها من قبيل الافتراضات، غير أنهم كانوا يفسرون نشأة السلطة والعلاقة بينها وبين أفراد المجتمع بما يتفق مع أغراضهم، ويقدمون تفسيرهم على أنه حقيقة دامغة، ومن قبيل ذلك أن توماس هوبز عاش كل مظاهر الدمار والعنف التي صاحبت الحروب الأهلية في إنجلترا وما خلفته من هزات اجتماعية(18) وأدرك أن هذه الحرب وما صاحبها من أحداث ستضعف من كيان إنجلترا فوضع فلسفته الاجتماعية بشكل يخدم الحكم المطلق، وبالغ في هذا الاتجاه إلى حد وصف فيه الإنسان بأنه حيوان شرس لا يدفعه سوى القوة والخوف ولا يروضه سوى المنفعة.
والأمر ينطبق كذلك على جون لوك فقد تفاعل مع ثورة عام 1688م(19) مما حدا به لتوجيه فلسفته لدعمها جاعلا السيادة للشعب وليست للحكم المطلق.
أما روسو فإن مظاهر الفساد التي شاهد انتشارها في المجتمع الأوربي جعلته يمجد حياة الطبيعة التي عاشها الإنسان قبل قيام الحياة الاجتماعية المنظمة ويعدها حياة سعيدة وعصرا ذهبيا للإنسان، يضاف إلى هذا أن البعض يجد صعوبة في التمييز ما إذا كان فيلسـوفا اجتماعيا أو مؤرخا أو أديبا وشاعرا.
رابعا- يمثل انعدام الدقة والموضوعية مثلبا خطيرا في أي دراسة أو تنظير، وهو انتقاد يوجهه الباحث إلى منظري العقد الاجتماعي في مختلف الأزمنة حتى المرحلة المعاصرة، ففي الوقت الذي أكدوا فيه على أن جذور نظرية العقد الاجتماعي موجودة في كل الثقافات والفلسفات والديانات، نجدهم قد أغفلوا أو تجاهلوا الشريعة الإسلامية من هذا التأصيل فخلا تنظيرهم من الربط بينها وبين نظرية العقد الاجتماعي(20)، على الرغم من أن الشريعة الإسلامية عالجت العقد الاجتماعي بدقة بالغة، تشريعا وتطبيقا، بل يمكن القول أن نظرية العقد الاجتماعي في الجانب المتعلق بالعلاقة بين السلطة وأفراد المجتمع لم توجد في صورتها التطبيقية الصحيحة في أي ثقافة أو مجتمع أو دين مثلما وجدت عليه في المجتمع المسلم؛ فالإجراء الذي تتشكل على إثره السلطة في المجتمع الإسلامي هو البيعة، وهذه البيعة هي أساس المشروعية التي تعطي السلطة حق اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على هذا العقد وممارستها. وقد رتبت الشريعة الإسلامية حقوق طرفي العقد وواجباتهما فألزمت السلطة بتحقيق أمن المجتمع وسلامته ضمن منظومة من المصالح الكلية يجب الدفاع عنها وفق شرع الله، قال تعالى:"وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"{45}.(21)
وألزمت الشريعة الإسلامية الطرف الأول وهم أفراد المجتمع، بطاعة السلطة في غير معصية الله، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"{59}.(22)
ويتضح في الشطر الأخير من هذه الآية أن الشريعة الإسلامية ترفض استبداد أي من طرفي العقد برأيه إذا ما حدث نزاع بينهما, وإنما يتم الرجوع فيه إلى الله ورسوله.
وإلى جانب القرآن الكريم والسنة المطهرة كمصدرين أساسيين لاستنباط الأحكام، أظهرت الشريعة الإسلامية عناية خاصة باتفاق أولي الحل والعقد فجعلته المصدر الثالث من مصادر التنظيم (التشريع) في الإسلام وهو المسمى بـ"الإجماع" ويصار إليه إذا لم يوجد نص في القرآن الكريم أو السنة المطهرة بشأن موضوع الخلاف، ويتحقق الإجماع من خلال الشورى، فالشورى من أهم الأسس التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية، وقد سميت سورة من سور القرآن بالشورى تعظيما لشأنها، قال تعالى: "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ"{38}.(23)
والسلطة في الإسلام ليست تعسفية ولا جبارة، فهي وإن كانت قوية في الحق فإنها تنطوي على معاني العطف والرحمة والتسامح، قال تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"{159}.(24)
وإذا كانت العدالة والمساواة من الشروط الأساسية في نظرية العقد الاجتماعي السليم فإن الشريعة الإسلامية تؤكد عليهما بشدة، ففي شأن العدالة يقول تعالى: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً"{58}.(25) ويقول تعالى: "وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"{152}.(26) ويقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"{8}.(27) وهذه أوامر صريحة من الله تعلى للسلطة المسلمة بأن تكون قائمة بالعدل بين الناس في كل الأحوال حتى مع غير المسلمين.
وفي شأن المساواة يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"{13}.(28) ففي هذه الآية الكريمة يوجه الله تعلى الخطاب إلى البشر كافة بأنهم كلهم من أبناء آدم وحواء عليهما السلام، ويعني هذا أنه لا فرق بينهم مهما اختلفت أعراقهم وأجناسهم وألوانهم ولغاتهم، فلا مجال لأن يدعي بعضهم التميز على البعض الآخر لأي من هذه الأسباب وما في حكمها وقد خلقهم الله من أصل واحد.
والسيرة النبوية العطرة زاخرة بأمثلة من المواقف التي جسد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الصفات والممارسات التي تتطلع لمحاكاتها كل سلطة عادلة، فقد كان عادلا في معاملته ومنصفا من نفسه، ومجسدا للمساواة بين بني البشر كافة في أرقى صورها ومعانيها، وهو أول من سن إخضاع السلطة للمساءلة عن واجباتها وأعمالها مثلما يسأل أي شخص من أفراد المجتمع عن عمله، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤل عن رعيته، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".(29)
وفي أول خطبة للخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بعد توليه الخلافة جسد صفات السلطة الناتجة عن العقد الاجتماعي، وحق المجتمع في مراقبة هذه السلطة، فمما قاله في تلك الخطبة: "أيها الناس: إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن صدفت فقوموني. الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له، والقوي ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم".
وحرص الدين الإسلامي على مبدأ الحرية فأكد على حق الاشتراك في السلطة، وكفل حرية التعبير عن الرأي، وحرية المعتقد، وحرية التجمع، وحرم الدين الإسلامي الاضطهاد والتمييز العنصري لأي سبب من الأسباب. وبصورة مجملة يمكن القول إن الدين الإسلامي قد فرض احترام حقوق الإنسان وجعلها جزءا من تعاليمه التي لا يستقيم عمل سلطة ولا يكمل إسلامها دون الوفاء بها وحمايتها.
ونظر الدين الإسلامي إلى العلاقة السوية بين طرفي العقد على أنها من أهم الأبعاد السياسة لمفهوم الأمن في الإسلام، فنجده يقيم هذه العلاقة على خصائص إيمانية، وتعاقدية، وتكافلية، وتعاونية، وغير طبقية، كما أنها علاقة مباشرة دون واسطة.
فهي علاقة إيمانية؛ لأن هويتها الإيمان بعقيدة التوحيد. وهي علاقة تعاقدية؛ لأنها تستمد صفتها هذه من عقد البيعة الذي يفرض شروطا من القيم لا يملك أي طرف إلا الالتزام بها ضبطا للحقوق والواجبات المتبادلة بين السلطة وأفراد المجتمع. وهي علاقة تكافلية تجسد مبدأ البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا، فالكل يؤكد التزامه بهذا النوع من العلاقة من خلال إتقانه لعمله وتعاونه وإنتاجه، ومن خلال الإيثار والإخاء والتضامن والإخلاص والصدقة والزكاة. وهي علاقة تعاون ومشاركة وحوار وتسامح بين أطراف العقد من جانب، وبينهم وبين غيرهم من الأمم من جانب آخر. وهي علاقة غير طبقية؛ لأن أطرافها متساوون في التعامل، فليس للسلطة أي تميّز على أفراد المجتمع إلا بقدر ما تفرضه المهام الملقاة على عاتقها وفي إطار قوله تعالى: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"{13}.(30) وهي علاقة مباشرة لا وسيط فيها بين السلطة وأفراد المجتمع، لكي يتحقق التفاعل المباشر بين طرفي هذه العلاقة؛ لأن من شأن ذلك أن يعزز التفاهم ويرأب الصدع ويقيم الحجة على من خالف شروط هذه العلاقة.
وفي العصر الحديث درجت السلطات في المجتمعات المتقدمة على تقديم تقرير عن إنجازاتها إلى أفراد المجتمع، وتجري في أحيان كثيرة مناظرة بين طرفي العقد، وتعتز النظم في تلك المجتمعات بهذه التقاليد والممارسة، والحقيقة أن كل ذلك وغيره مما يعد دليل رقي وتقدم قد وجد في جوهر الشريعة الإسلامية وطبق منذ بواكيرها، فقد كان الخليفة يقدم شرحا وافيا أمام أفراد المجتمع لما يتخذه من قرارات تمس مصالحهم ومصيرهم، وإن تطلب الأمر عقد مناظرة للرد فيها على أسئلة المعترضين فعل، ومن قبيل ذلك المناظرة الشهيرة بين الخليفة عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد في صحن المسجد النبوي حينما اشتكى خالد بن الوليد عمرَ بن الخطاب إلى المسلمين وطلب أن يكون المجتمع حكما فيما شجر بينهما من خلاف، وهي مناظرة بين السلطة -عمر بن الخطاب- وبين خالد بن الوليد بوصفه واحدا من أفراد المجتمع المشترك في العقد الاجتماعي من خلال البيعة.
ويمكن للمتتبع أن يستنتج أن السلطة الإسلامية في كل العصور تسعى إلى الاقتداء في تشريعاتها بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم، فقد نص النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على أن العلاقة بين المواطنين والسلطة تقوم على الشورى والحب والتراحم والعدل والاحترام المتبادل، وأن الكل سواسية أمام شرع الله.
ومما أكد عليه هذا النظام أيضا أن العقوبة شخصية، وأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي، وأنه لا عقاب إلا على العمل اللاحق للعمل بالنص النظامي، ويتضح من هذه المفاهيم أنها في مضمونها لا تخرج عن خصائص العقد الاجتماعي السليم.(31)
نخلص من استعراض نظرية العقد الاجتماعي وتحليلها إلى الاستنتاجات الآتية:
1-    يتفق فلاسفة العقد الاجتماعي الثلاثة (توماس هوبز- جون لوك- جان جاك روسو) على أن الإنسان عاش في بداية وجوده حياة فطرية وحرية مطلقة، وقد أطلقوا مسمى العقد الاجتماعي على الحدث الذي نقل الإنسان من حياته تلك إلى الحياة الاجتماعية المنظمة.
2-    يجمع هؤلاء الفلاسفة على أن العقد الاجتماعي نشأ بقرار من الأفراد وبالتالي فإن السلطة نشأت بمحض إرادتهم.
3-    تقوم العلاقة الصحيحة (العقد الاجتماعي) بين السلطة وأفراد المجتمع على ثلاثة مرتكزات رئيسة، هي: الحرية، والعدل، والمساواة.
4-    تعاني نظرية العقد الاجتماعي من التناقض والاضطراب في عدد من الجوانب من أهمها:
أ‌-      تصور الفلاسفة لطبيعة المرحلة السابقة على الحياة الاجتماعية المنظمة.
ب‌-   تصور الفلاسفة أن العقد الاجتماعي قد نشأ بصورة إرادية محضة.
ج- عدم ترتيب الظواهر ووصفها بشكل يتفق مع العقل والمنطق ويتسق مع وقائع التاريخ.

د-  تأثر فلاسفة العقد الاجتماعي الثلاثة بالأحداث التي عاصروها، الأمر الذي جعلهم يوجهون جل فلسفتهم لمسايرة مآرب شخصية.

هـ   إهمال فلاسفة العقد الاجتماعي الثلاثة ومن أتى بعدهم لما يتجلى في الشريعة الإسلامية من صور للعقد الاجتماعي.



(1)   أطلق الفلاسفة والعلماء مسميات كثيرة على التكوين الناشئ عن العقد الاجتماعي، ومنها: الحياة المدنية، وحكومة الزعيم أو الملك، والدولة، والمجتمع السياسي، والنظام التعاقدي، والمجتمع المدني. وقد رأينا اختصار هذه المسميات في مسمى واحد هو (السلطة (Authority وهي شكل من أشكال التنظيم الذي يوجه ويقود جهود وفعاليات الأفراد نحو تحقيق الأهداف الخاصة والعامة للمجتمع. وتستمد السلطة شرعيتها (Legitimacy of authority)  من الأحكام والقوانين والقيم المتفق عليها فيما بينها وبين الأفراد، وهذه الشرعية هي ما يبرر للسلطة استخدام القوة ضد المخالفين والجانحين والجناة. ولمزيد من الاطلاع حول مفهوم  السلطة وشرعيتها، أنظر: (الحسن، إحسان. موسوعة علم الاجتماع. بيروت: الدار العربية للموسوعات،1999م، ص ص 329-331)
(2) الاتجاه البنائي الوظيفي: نظرية قامت على أساس قياس المجتمع على الكيان العضوي، فقد شبهوا تركيبة المجتمع ووظائف أنساقه بتركيبة جسم الإنسان ووظائف أجزاء هذا الجسم، فالمجتمع بناء ذو حدود يحافظ على نفسه ذاتيا في تواز ليواجه بيئة غير متوازنة، من خلال عمليات اجتماعية ينبغي أن تتشابك مع بعضها البعض لتواجه احتياجات هذا البناء، فكل مؤسسة تقوم بوظيفة تلبي إحدى حاجات المجتمع ومن ثم فإنها تساعد في المحافظة على بنية المجتمع أو توازنه، وتكون الوظيفة ظاهرة حين تكون معروفة للناس، وباطنة حين لا يكون الناس على وعي بدورها الحقيقي في البناء، ويسعى رواد هذا الاتجاه من وراء تنظيرهم هذا إلى الإجابة على أسئلة رئيسة من أهمها: كيف يستطيع المجتمع أن يحافظ على بقائه واستمراره في الوجود على الرغم من تغير الأشخاص الذين يتألف منهم المجتمع؟ وكيف يستطيع الأفراد على الرغم من الاختلافات القائمة بينهم أن يتعايشوا معا في علاقات يمكن التنبؤ بها؟ ولمزيد من الاطلاع والمقارنة، أنظر: (مصطفى، طلال. أبحاث في علم الاجتماع – نظريات ونقد-  (2002م ) دمشق: دار هادي، ص ص 17-32) وانظر كذلك: (مان، ميشيل. موسوعة العلوم الإجتماعية (1994). ترجمة عادل مختار وسعد مصلوح. الكويت: مكتبة الفلاح، ص ص 274-279).
(3) الفارابي، أبو نصر محمد (870-950م)  (AL Farabi) من أعظم فلاسفة العرب، لقب بالمعلم الثاني بعد أرسطو؛ فإنه كان متضلعا من المنطق والرياضيات والموسيقى، حاول التوفيق بين أفلاطون وأرسطو في مؤلفه "الجمع بين رأيي الحكمين"، ومن مؤلفاته أيضا: التوطئة في المنطق، والسياسة المدنية، وآراء أهل المدينة الفاضلة، ورسالة في العقل، وإحصاء العلوم والتعريف بأغراضها، وكتاب الموسيقى الكبير، وكتاب الألفاظ، وكتاب الحروف، أنظر: (المنجد في الأعلام، 1992م، ص 402) وانظر أيضا:( الحسن، إحسان. 1999م، ص ص 481-482).
(4) ابن خلدون، عبدالرحمن أبو زيد ( 1332-1406م) (Ibn Khaldoun) مؤرخ وفيلسـوف اجتماعي عربي، تولى بعض المناصب السياسية، وكان عالما في الإدارة والسياسة والقضاء والأدب والعلوم، يعد رائدا لفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع. من أشهر أعماله المقدمة التي عرفت باسمه، والتي أرسى فيها أسس علم الاجتماع، ويعده البعض أبا لعلم الاجتماع، وبخاصة أنه أول من درس الظاهرة الاجتماعية في حالة استقرارها وفي مظاهر تطورها، والبعض من العلماء يعده المؤسس الأول  للاتجاه أو الفكر الصراعي لإبداعه في تصوير الصراعات الجزئية بين الأفراد، والصراعات الأوسع بين العشائر والقبائل والأمم. ولمزيد من الإطلاع حول حياته وإنجازه العلمي، أنظر: ( المنجد في الأعلام، 1992م ص 7) و انظر كذلك: ( عمر، معن. نقد الفكر الاجتماعي المعاصر. بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1982م، ص ص 12-15) و انظر أيضا: ( الحسن، إحسان. 1999م، ص ص 11-15).       
  (5)لمزيد من الاطلاع حول (Plato 427-347, B.C )   أنظر: (الحسن، إحسان. 1999م، ص ص 67-68).
(6)  للاطلاع  على سيرة حياة هؤلاء العلماء، أنظر: (مان، مشلان . المرجع السابق، الصفحات المدونة أرقامها  قرين اسم كل واحد منهم:
( كونت، أوقست.  Comte, Augus. 1798-1857 ) ص ص 139- 142.
( باريتو، فلفريدو.  Pareto, Vilfredo. 1848-1923 ) ص ص  510- 523.
( دور كايم، إميل. Durkheim, Emile. 1858-1917 ) ص ص 211 - 214.
(براون، رادكليف. Radcliffe, Brown. 1881-1955 ) ص ص 587- 588.
( مالينوفسكي. Malinowski, Kaspar. 1884-1941 ) ص ص 404- 406.
(بارسون، تالكوت. Parsons, Talcott. 1902-1979 ) ص ص 515- 517.
(ميرتون، روبرت. Merton, Robert. 1910-~ ) ص ص 443- 444..
(7)(Buddha)  هو مؤسس البوذية واسمه الحقيقي سدارثا أوجوتاما (Siddhartha Goutama) هندي الأصل من الإقليم المعروف اليوم بمملكة النيبال. ولمزيد من الاطلاع على سيرة حياته وعلى الديانة البوذية وفكرة العقد الاجتماعي فيها، أنظر: (إمام، عبد الفتاح. معجم ديانات وأساطير العالم. القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995م، ج1، ص ص 224-227).
(8)   استغرق أوغستين في تأليف كتابه هذا أربعة عشر عاما (412-426م) والذي استعرض فيه الحضارة الإنسانية منذ نشأتها إلى سقوط مدينة روما، وقد ظهر في هذا الكتاب تأثره الشديد بهذا الحدث. ولمزيد من الاطلاع حول أفكار هذا الفيلسوف أنظر:          (Gaston, Bouthol). Histoire de la Sociologic, presses universitairis de France, 1958,
 P.P.17-18.   
(9)   السلطة القروسطية نسبة إلى القرون الوسطى، أنظر فئات هذه السلطة وخصائصها في الجانب المتعلق بالجريمة والعقوبة في العصور الوسطى ص ص "65- 91" من هذه الدراسة
(10)  جاء العلماء من أمثال، روسو، وهوبز، وجون لوك، بعد سقوط الإقطاع وضعف سيطرة الكنيسة على حياة الناس، وعندها تحرر الفكر الأوربي، وحصلت النهضة الفكرية. وظهرت مجتمعات جديدة ومختلفة تماما عن المجتمعات الإقطاعية والكنسية والتي كان العقل والفكر فيها مقيدا، وبزوال هذا القيد ظهرت الاكتشافات العلمية والفكرية في الجغرافيا، والفلك، والهندسة، والعلوم الاجتماعية. وهنا بدأت مناقشة مواضيع مثل السلطة القانونية، والعقوبة، ومن الأحق بها.
(11)  هنا يثار سؤال مهم جدا مؤداه: أليس من حق الطرف الأول (المجتمع) في العقد الاجتماعي أن يراقب مدى التزام الطرف الثاني (السلطة) بشروط العقد؟. إن الإجابة على هذا السؤال بموضوعية ستكشف عن تناقض شديد في تنظير هوبز، كما أنها تدفع إلى البحث عن تفسير آخر لنشوء السلطة.
(12)  توجد ثلاثة مصطلحات تشكل محورا رئيسا في نظرية العقد الاجتماعي وهي:(الحقوق الطبيعية Natural Rights) التي يحصل عليها الإنسان بمجرد وجوده كالحق في الحياة والحرية والمساواة والعدل. و (القانون الطبيعي Natural Law ) الذي يعبر عن طبيعة الإنسان باعتباره كائنا عاقلا يسعى إلى أن يحيا حياة متسقة مع طبيعة الأشياء والموجودات من حوله، وهو القانون الذي وصفه  توماس الأكويني 1255- 1274م بأنه انعكاس لحكمة الله. و(العصر الذهبي Golden Age ) ويعبر به روسو بخاصة عن قناعته بأن الإنسان عاش في البدء في حرية ومساواة كفلها له القانون الطبيعي قبل انضوائه تحت لواء المجتمع السياسي. ولمزيد من الاطلاع حول هذه المصطلحات، أنظر: (أبو زيد، 1989م، ص ص 11-40).
(13)  تكمن أهمية روسو في كونه أول من وضع نظرية لشرعية السلطة أو النظام السياسي من خلال كتابه "العقد الاجتماعي" مبنية على أساس أن الأفراد يولدون أحرارا ولا توجد قوة على الأرض تستطيع سلبهم ذلك، ويموتون أحرارا أيضا، ومبنية كذلك على"سيادة الشعب" والتي لا يستطيع التنازل أو التخلي عنها، وبذلك فالشعب هو صاحب السيادة إلى الأبد. وعلى هذه الأفكار بني النظام الديمقراطي الغربي. وفي كتابه "إميل Emil" طالب بضرورة اعتماد نظام تعليمي جديد يواكب الفترة الجديدة التي تعيشها أوربا.
(14)  ينظر الباحث إلى القوة في هذا المجال وفي هذا العصر بالذات بمعنى يختلف عن معناها المجرد (Power) فالمعنى المقصود يتمثل في كفاءة السلطة وقدرتها على صياغة استراتيجية شاملة للأمن تستند إلى مقومات أساسية هي: (المقوم العقدي، والمقوم العلمي، والمقوم السياسي، والمقوم الاقتصادي، والمقوم الجغرافي، والمقوم الاجتماعي، والمقوم الأمني) ومن ثم إدارة عملية تنفيذ هذه الاستراتيجية وتوظيف نتائجها بكفاءة لتحقيق أمن المجتمع في جميع المجالات، والمحافظة على اكتفائه واستقراره. وللاطلاع على مبررات فهمنا لمعنى القوة على هذا النحو، أنظر: ( الشهراني، علي. مؤسسات الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية. ورقة مقدمة لمؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، 1419هـ.
(15)  من مميزات المجتمعات المتقدمة في المرحلة المعاصرة وجود ثلاث سلطات على أرقى مستوى ممكن من التنظيم، هي: السلطة التنظيمية"التشريعية" والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية. وكل سلطة منها مستقلة فيما تتخذه من قرارات، وتكون بينها قنوات اتصال تؤمن لها التكامل والتناسق، وتمكنها من التعاون على خدمة المجتمع، ويأتي تعدد السلطات تلبية لمطالب العدل والحرية والمساواة، لأن تمركز هذه السلطات في يد سلطة واحدة من خصائص الاستبداد والتخلف والظلم.
(16)  مجتمع شكلي: تسمية نعني بها وجود مجتمع يقوم على التجانس النوعي، وليس مجتمعا منظما بقواعد مقررة للسلوك والعلاقة بين الأفراد، والحقوق والواجبات.
(17)  لمزيد من الاطلاع حول الوسائل التي يستخدمها الطغاة في غزوهم لحقوق الإنسان وكرامته، أنظر: (اينز، براين. "تاريخ التعذيب، The History of  Torture" ترجمة الدار العربية للعلوم، لبنان، 2000م، وأنظر للمقارنة: (ماركيزيه، جان "الجريمة" ترجمة عصفور، عيسى. باريس: عويدات، 1983م، ص ص 121-132). 
(18)  تعد هذه الحرب أولى الحروب الحديثة وقد استمرت حتى عام 1660م. بدأت بوادرها منذ العام 1640م لكن أولى معاركها الطاحنة حدثت عام 1642م عندما حاول الملك شارل اعتقال معارضيه الرئيسيين، لقد كانت هذه الحرب تزداد عنفا سنة بعد أخرى في سلسلة من الأحداث لم يسبق لها مثيل في التاريخ الأوربي، وفي عام 1648م انتصر كروميل وأمر بمحاكمة الملك شارل وقد انتهت المحاكمة بإعدامه. لقد كانت هذه الحرب سببا في انهيار الحياة الاجتماعية والسياسية المنظمة في إنجلترا وهذا بالضبط ما أثار الفيلسوف توماس هوبز. ولمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع، أنظر: موسوعة بهجة المعرفة، المجموعة الرابعة. جنيف: دار المختار، 1982م، ص ص 248-251).   
(19)  هذه الثورة قام بها البرلمان الإنجليزي ضد السلطة التي كانت في يد أسرة ستيوارت، وقد أراد جون لوك مساندة هذه الثورة لأن السلطة كانت متهمة بالاستبداد فوضع كتابه "الحكومة المدنية" مبررا فيه الأمر الواقع ومشيدا به. ولمزيد من الاطلاع على المؤثرات التي تدخلت في تنظير هوبز ولوك وروسو وأفقدت ذلك التنظير جزءا من الموضوعية، أنظر: (الخشاب، مرجع سابق، ص ص 190-200)، وانظر كذلك: عبد أسيعد، محمد. علم الاجتماع السياسي، الكويت: مكتبة الفلاح، 1999م، ص ص 188-192).
(20)  لم يجد الباحث فيما اطلع عليه، وكذلك في المؤتمرات والندوات والمحاضرات التي حضرها أو استمع إليها أن أحدا قد ربط بين نظرية العقد الاجتماعي والشريعة الإسلامية، ويتحمل العلماء المسلمون في التخصصات ذات العلاقة مسؤلية ذلك.
(21) سورة المائدة، الآية رقم (45).
(22) سورة النساء، الآية رقم (59).
(23) سورة الشورى، الآية رقم (38).
(24) سورة آل عمران، الآية رقم (159).
25)) سورة النساء، الآية رقم (58).
(26)  سورة الأنعام، الآية رقم (152).
27)) سورة المائدة، الآية رقم (8).
(28) سورة الحجرات، الآية رقم (13).
(29) أنظر: (صحيح مسلم. الرياض: دار الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، 1998م، ص763).
(30) سورة الحجرات، الآية رقم (13).
(31)  لمزيد من الاطلاع، أنظر: مجموعة أنظمة الحكم والشورى ومجلس الوزراء والمناطق، الصادرة عن مؤسسة مكة للطباعة والإعلان "مطابع الندوة" عام 1414هـ.